سؤال ظل يطرح نفسه طيلة السنوات الماضية واليوم ومع اقتراب الموعد الذي تم
تحديده لانطلاق العملة الجديدة عام 2010 فإن الحلم الخليجي بكيان سياسي واقتصادي
بدأ يدنو من الخليجيين، حتى إن دول الخليج الست تتجه لإطلاق مسابقة بين مواطنيها
لاختيار اسم العملة الموحدة إضافة إلى تحديد المعالم التي يمكن أن تحتويها تلك العملة.
ومن هذا المنطلق فإن العديد من الآراء انطلقت تنادي بضرورة الحفاظ على المكاسب
التي حققتها الدول الخليجية في هذا الطريق والذي قطعت فيه شوطا كبيراً فمن جانبهم
حث الخبراء دول الخليج على التخلي عن قدر من السيادة لتعزيز التكامل السياسي
ولضمان نجاح طويل المدى للعملة المزمع طرحها .
وأجمع الخبراء أنه من المهم حدوث تنوع في اقتصاديات دول الخليج العربية التي تعتمد
بشكل أساسي على النفط، وذلك من منطلق ضرورة أن تكون هناك قاعدة اقتصادية
أوسع من أجل استقرار الحالة الاقتصادية.
ورغم اقتراب موعد طرح العملة الخليجية الموحدة والتي لم يتم حتى الآن الإعلان عن
أسمها إلا أن الآمال بإقامة وحدة نقدية تكتنفها مخاوف من جانب بعض البنوك المركزية
من التخلي عن سلطاتها لسلطة إقليمية، ومن تذبذبات أسعار النفط التي تتسبب في
تقلبات كبرى باقتصاديات الدول التي يعتمد الجانب الأكبر من دخلها على البترول.
وإذا نجحت الوحدة فإنها ستسفر عن منطقة يتداول فيها 32 مليون نسمة عملة موحدة
ويزيد إنتاجها الاقتصادي السنوي على 300 مليار دولار، وتعد مصدر جانب كبير من
الصادرات النفطية في العالم. وإلى ذلك قام المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية
بإصدار دراسة حملت عنوان " مستقبل الوحدة النقدية الخليجية" طالب فيها المركز
بضرورة استكمال الجوانب الفنية اللازمة لإنجاز الاتحاد النقدي بين دول مجلس التعاون
الخليجي قبل بدء العمل رسميا بالعملة الخليجية الموحدة بحيث تشمل إلى جانب أسعار
الفائدة المصرفية والتضخم النقدي كلا من سياسات الائتمان والإصدار والاستثمار
والادخار.
كما دعت الدراسة إلى تخصيص ميزانية خليجية لتهيئة القطاع الخاص الخليجي لتحقيق
عملية التحول بنجاح على غرار ما فعله الاتحاد الأوروبي مع تأسيس سلطة نقدية موحدة
تسبق البنك المركزي الخليجي والاتفاق على سعر صرف نقدي موحد مع إحراز مستوى
عال من التقارب بين الدول الأعضاء في السياسات الاقتصادية والمالية والتشريعات
المصرفية.
التجارب السابقة
وفي هذا السياق فإن تجربة الاتحادات النقدية في مناطق أخرى من العالم تلقي الضوء
على التحديات التي من الممكن أن تواجه دول مجلس التعاون وهي تتطلع لإقامة الاتحاد
النقدي الخليجي، وهناك حاليا خمسة اتحادات نقدية في العالم منها ثلاثة في أفريقيا
وواحد في منطقة الكاريبي وواحد في أوروبا (منطقة اليورو)، وتم في كل هذه الاتحادات
طرح عملة مشتركة باستثناء منطقة الاتحاد النقدي لجنوب أفريقيا حيث تلعب عملة
أفريقيا الجنوبية، الراند، دور العملة الموحدة .
وفي حين طبقت منطقة اليورو سوقها المشتركة قبل إنشاء الوحدة النقدية، فقد نفذت
الاتحادات النقدية الأخرى تسلسلاً عكسياً حيث تعمل على تنفيذ التكامل الاقتصادي
الشامل بعد انقضاء عدة عقود على دخول اتحاداتها النقدية حيز التنفيذ، ومع استمرار
مباحثات الخليجيين فإن الخبراء يستخلصون عدة دروس مهمة من تجارب الاتحادات
النقدية في العالم يتعين الالتزام بها لضمان نجاح تجربة التكامل الخليجية وهي وفقاً لما
جاء في صحيفة الاتحاد الإماراتية:
أولا : ضرورة توفر الإجماع السياسي للتوصل إلى الاتفاق الاقتصادي في عدة قضايا
تشمل الإطار المؤسسي والتوجيهات الإرشادية لبنك مركزي مشترك ومستقل، وتقاسم
العوائد من حق صك العملة المشتركة، والإطار المؤسسي والسياسي لترسيخ
الاستقرار الاقتصادي الكلي في كل من الدول الأعضاء، بما في ذلك اعتماد آلية
مؤسسية لإجراء التحويلات المالية لتخفيف أثر الصدمات غير المتماثلة على البلدان
الأعضاء في الاتحاد النقدي.
ثانياً : ضرورة تشكيل سلطة نقدية موحدة تعلو السلطات الوطنية وتكون مسؤولياتها
بوضوح هي صياغة وإدارة السياسة النقدية.
ثالثاً : ضرورة حفاظ كل الدول على أوضاع مالية قابلة للاستمرار، مع أهمية الأخذ في
الاعتبار أن العملة الخليجية الموحدة قد تصبح وضعا غير قابل للاستمرار، وخاصة في
حالة إحدى الدول الأعضاء الكبرى، يمكن أن يعرض الاتحاد لمزيج غير مرغوب من
السياسات، وهو ما قد يؤدي لتقويض أهداف السياسات الاقتصادية الكلية الأخرى مثل
استقرار الأسعار وأن يؤثر سلبا على سمعة الاتحاد برمته وجدارته الائتمانية، ولايجاد
وضع مالي قوي فانه سيتعين على دول مجلس التعاون النظر في وضع سياسة ماليتها
العامة في إطار متوسط الأمد وحسنا فعلت القيادات الخليجية عندما استغلت الطفرة
السعرية في النفط لتكوين فوائض مالية تستطيع ان تواجه بها أية أزمات ناجمة عن
تراجع الأسعار..
مستقبل الوحدة النقدية
وبالعودة إلى دراسة المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية حول مستقبل الوحدة
النقدية الخليجية نجد أن الدراسة طالبت بتخصيص ميزانية خليجية لتهيئة القطاع الخاص
الخليجي لاتمام عملية التحول وذلك على غرار ما فعله الاتحاد الأوروبي مع تأسيس
سلطة نقدية موحدة تسبق البنك المركزي الخليجي والاتفاق على سعر صرف نقدي
موحد مع إحراز مستوى عال من التقارب بين الدول الأعضاء في السياسات الاقتصادية
والمالية والتشريعات المصرفية.
ودعت الدراسة إلى ضرورة تفعيل آليات السوق الخليجية المشتركة واتخاذ خطوات اكثر
مرونة لحركات رؤوس الأموال وانتقال الأيدي العاملة الأجنبية بشكل حر بين دول
الخليجي مع إنشاء مجلس نقدي موحد بين الدول الخليجية كخطوة ضرورية لتنسيق
السياسات النقدية خاصة في ظل تشابه الظروف الاقتصادية لدول المجلس.
تحديات الوحدة النقدية
وحددت الدراسة تحديات الوحدة النقدية الخليجية في التضخم وتوحيد القوانين والاتحاد
الجمركي والاعتماد على النفط والبنوك الى جانب ربط العملات الخليجية بالدولار، وفيما
يلي التفاصيل:
قالت الدراسة إن مسيرة التكامل الاقتصادي الخليجي بدأت بتوقيع الاتفاقية الاقتصادية
الموحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي في شهر نوفمبر من عام 1981 وذلك في
الدورة الثانية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون والتي عقدت بالعاصمة السعودية الرياض
وقد وضعت الاتفاقية إطارا طموحاً للتكامل بين الدول الخليجية الست، يشمل مجالات
التعاون التجاري وتنظيم انتقال رؤوس الأموال والأفراد وممارسة النشاط الاقتصادي
والتنسيق الإنمائي والفني والتعاون في مجال النقل والمواصلات وكذلك التعاون المالي
والنقدي، على أن تتم جميع هذه الخطوات بشكل متوازي ضمن برامج زمنية محددة.
أوروبا طبقت السوق المشتركة قبل اليورو
ومنذ ذلك الوقت ودول المجلس لم تأل جهداً نحو إزالة الحواجز والقيود أمام حركة
الأشخاص الطبيعيين وتدفق رؤوس الأموال والعمالة، كما قدمت للأفراد والشركات ميزات
تفضيلية قومية، وكذلك طبقت التعريفة الجمركية الموحدة في إطار الاتحاد الجمركي،
أما النقلة النوعية في التعاون الاقتصادي الخليجي، فقد بدأت عام 2000 عندما قرر
المجلس الأعلى الاتجاه نحو الوحدة النقدية بعد اعتماد مثبت مشترك لعملات الدول
الأعضاء وهو الدولار الأمريكي كمقدمة للوصول إلى العملة الخليجية الموحدة بحلول عام
2010، وذلك بعد استكمال إجراءات التحول إلى السوق الخليجية المشتركة بحلول عام
2007، والتي يتم في إطاراها إزالة جميع الحواجز أمام السلع والخدمات والعمالة
الوطنية ورؤوس المال بين دول المجلس ومن ثم المساهمة بشكل جدي في استمرار
نجاح الاتحاد النقدي وتوفير غطاء منظم للتكامل الإقليمي ليكون الأساس العملي لإنشاء
الوحدة الاقتصادية الخليجية.
أضافت الدراسة التي نشرتها صحيفة " الوطن" الكويتية أن دول مجلس التعاون الخليجي
تسعى في طريق التحول الى الوحدة النقدية الخليجية الكاملة نحو الحفاظ على سعر
الصرف للعملة الجديدة عن طريق ربطها بالعملات الدولية القابلة للتحول منذ عام 2010
ولمدة 3 سنوات، على ان يجرى بعد ذلك تعويمها لتصبح عملة دولية تكون نفسها قابلة
للتحويل وتحتفظ بها الدول ضمن محافظها المالية على اساس انها عملة رئيسية.
وبصفة عامة فإن اصدار عملة خليجية موحدة، انما ينطوي على العديد من الفوائد
الاقتصادية لدول المجلس والتي من ابرزها: تقليل الحاجة للاحتفاظ بمبالغ كبيرة من
الاحتياطات الاجنبية، ذلك لان المبلغ المطلوب لمساندة تلك العملة الجديدة يقل في
حالة توحيد العملة عن مجموع الارصدة والاحتياطات المكونة لكل عملة لو احتفظت كل
دولة بعملتها الخاصة، كما ان توحيد العملة من شأنه ان يعمل على تحقيق استقرار
اسعار الصرف للعملات بما يؤدي الى استقرار معدلات التضخم مع خفض تكاليف
المعاملات المالية والتجارية للشركات والمؤسسات، الى جانب التوسع في حركة
المبادلات التجارية والمالية ومن ثم تقليل اسعارها بالنسبة للمستهلك النهائي.
كتلة اقتصادية
وأضافت الدراسة انه وبصفة عامة، فإنه في حال تم الوصول الى العملة الخليجية
الموحدة فإن دول المجلس سوف تصبح كتلة اقتصادية ذات ثقل نسبي في العالم،
وسوف تتعامل ككتلة واحدة حيال التفاوض على قضاياها مع شركائها الاقتصاديين
والتجاريين، الأمر الذي يعني المزيد من القدرة على تنسيق السياسات تجنبا لاهدار
الموارد مع الحصول على شروط سعرية وكمية افضل، خاصة في ظل امتلاك دول
المجلس العديد من المقومات التي تؤهلها نحو الاتحاد النقدي ومن ثم الاستفادة من ثمار
تلك الوحدة النقدية، والتي من اهمها:
ان دول المجلس تمثل مجموعة متجانسة في نظمتها السياسية والاقتصادية والنقدية
وأوضاعها الاجتماعية، كما تتسم بانفتاحها على العالم الخارجي على نحو واسع، حيث
تشكل تجارتها الخارجية نسبة كبيرة الى اجمالي الناتج المحلي الاجمالي لها، اذ تعتمد
على التجارة الخارجية لسد احتياجاتها المختلفة من السلع والخدمات ولتسويق صادراتها
النفطية للحصول على الايرادات اللازمة لتمويل نفقاتها، خاصة وان معظم التجارة
الخارجية لتلك الدول تتجه نحو الدول الصناعية، الامر الذي ترتب عليه تأثر مستوى نشاط
دول المجلس واستقرارها الاقتصادي بالأوضاع السائدة في الدول الصناعية فتتقلب
ايراداتها وأوضاعها النقدية والمالية وحركة الاسعار فيها تبعاً لتقلب الاوضاع الاقتصادية
الخارجية.
الاتفاقية الموحدة
وحول انجازات إقامة الوحدة النقدية أوضح التقرير قائلاً: إن دول مجلس التعاون الخليجي
بذلت منذ التوقيع على الاتفاقية الاقتصادية الموحدة عام 1981 العديد من الخطوات
والجهود التي من شأنها تفعيل عملية التحول وتعظيم الآثار الاقتصادية منها، والتي يمكن
توضيحها على النحو التالي:
ـ اتفقت دول المجلس على إنشاء احتياطي لدعم العملة الخليجية الموحدة يعادل قيمة
واردات كل دولة من تلك الدول وتتم إدارته بدرجة عالية من الشفافية أو من خلال
محفظة مركزية، إلى جانب الاتفاق على مجموعة من المعايير تتعلق بحساب أسعار
الفائدة على ألا يتجاوز العجز في الموازنة العامة بنسبة الـ %3 من الناتج المحلي
الإجمالي كما ليس من المسموح به أن يتجاوز الدين العام نسبة الـ %60 من ذلك الناتج،
فضلاً عن التفاوض حول تطبيق معايير »بازل ـ 2« في البنوك الخليجية، الأمر الذي من
شأنه أن يعزز من تقارب معايير تقييم الأداء ونظم الرقابة ويسرع الخطى نحو الوصول إلى
العملة الموحدة في موعدها.
ـ قامت دول المجلس بالتفاوض حول الأمور المتعلقة بتنسيق نظم الرقابة بينها، فضلاً
عن التنسيق بين البنوك المركزية في تلك الدول حول حدود التضخم والتي لا يجب أن
تزيد على المتوسط المرجح للدول الست مضافاً إليها %2، إلى جانب أسعار الفائدة
والاحتياطات الأجنبية وإن كانوا لم يتوصلوا بعد لقرار نهائي فيما يتعلق بسلطات البنك
المركزي الإقليمي المقرر إنشاؤه، كما تم الاتفاق بين دول المجلس على إنشاء فريق
عمل فني لتحديد مواصفات العملة الخليجية الموحدة وتسميتها وفئاتها وآلية طرحها،
وكذلك السلطة النقدية المشتركة التي سوف تتولى تنسيق السياسات النقدية بين تلك
الدول.
ـ تم الاتفاق على الكثير من الأمور الفنية ويجري حالياً اتخاذ مزيد من الاجراءات للإسراع
في عملية التقارب خاصة بعد اعتماد الدولار مثبتاً مشتركاً لعملات دول مجلس التعاون
وربط كافة العملات الخليجية به في نهاية عام 2002، فضلاً عن مناقشة السماح بفتح
فروع لبنوك خليجية في دول مجلس التعاون لدعم قضية التكامل النقدي بما يؤدي إلى
تعزيز سيرة التعاون الخليجي المشترك .
بنك مركزي خليجي
يجري التفاوض بين دول المجلس حول إنشاء بنك مركزي خليجي بحلول عام 2007
لإدارة السياسة النقدية الموحدة وتحديد علاقاتها بالسلطة الفنية مع إنشاء هيئة تنسيق
تتبع الأمانة العامة، مع تكليف البنوك المركزية الخليجية الحالية بتولي إدارة هذه
السياسة النقدية على مستوى المحافظين، وذلك يأتي في إطار الاتفاق بين لجنة
المحافظين على الاستفادة من تجربة الاتحاد النقدي الأوروبي مع إجراء الأمانة العامة
مجموعة من الاتصالات واللقاءات مع البنك الأوروبي والتي تمخض عنها تنظيم ورشة
عمل حول الجوانب التطبيقية للتكامل النقدي.
ـ أتمت دول مجلس التعاون تنفيذ نحو %75 من متطلبات الاتحاد النقدي مع الانعقاد
الدوري والمستمر لمحافظي المصارف المركزية بتلك الدول والذي يستهدف تسريع
خطوات التحول وبحث المثبت المشترك قبل إعلانه رسمياً في عام 2007، كما تعتزم دول
المجلس تأسيس مركز إحصاء موحد يعنى بنشر البيانات والمعلومات المتعلقة بمعدلات
العجز والمديونية والأوضاع المالية لدول المنطقة استعداداً لاطلاق العملة الخليجية عام .
2010
ـ ناقشت لجنة محافظي البنوك المركزية خلال شهر مارس عام 2006 بعض المسائل
المتعلقة باستحداث نظام مدفوعات موحد عند قيام الاتحاد النقدي والذي يستهدف توفير
آلية آمنة موثوق بها لتسوية المدفوعات بالعملة الموحدة وتخفيض المخاطر المصاحبة
للمدفوعات حسب متطلبات نظام التسوية الاجمالية وزيادة كفاءة المدفوعات عبر الحدود
ضمن نطاق دول المجلس والقدرة على مناولة مدفوعات العملاء وفيما بين البنوك ودعم
السياسة النقدية للاتحاد النقدي.
ـ تم تشكيل لجنة تضم اعضاء من دول المجلس تحمل اسم لجنة التعاون النقدي يكون
من شأنها العمل على وضع المواصفات الخاصة بطباعة العملة من الناحية الفنية
والامنية والقانونية وكيفية التعاقد مع شركات الطباعة وتقديم اقتراحات فيما يتعلق بآليات
اختيار اسمها، فضلاً عن التعاون مع غيرها من اللجان ذات العلاقة مثل لجنة الاحصاء
التي ستعمل على توحيد الاحصاءات والبيانات المالية والنقدية.
تحديات الوحدة
وحددت الدراسة تحديات الوحدة النقدية بحلول عام 2010 في العوامل التالية: ربط العملة
الخليجية الموحدة بالدولار انما يزيد من حساسية تلك العملة للتقلبات التي تشهدها
اسعار صرف الدولار خاصة مع حدوث انخفاض قيمة الدولار امام العملات العالمية
الاخرى، الامر الذي من شأنه ان يؤدي الى حدوث صدمات تضخمية متعددة الوجوده،
والناتجة عن انخفاض قيمة العملات الخليجية، وارتفاع اسعار السلع المستوردة من
الخارج بالاخص من الدول التي ارتفعت عملتها في مواجهة الدولار، وهي دول اصبحت
تشهد هي الاخرى بوادر ضغوط تضخمية بسبب ارتفاع اسعار النفط.
ـ التضخم الذي قد تتعرض له دول الخليج نتيجة ربط عملتها الموحدة بالدولار انما يحمل
معه العديد من الجوانب السلبية على اقتصادات تلك الدول على المدى الطويل، حيث
يمكن للزيادة المستمرة في التضخم ان تؤثر سلباً في جهود التنويع الاقتصادي في هذه
الدول، حيث ستخسر قطاعات مثل التجزئة والسياحة قدرتها التنافسية على المدى
المتوسط، اضافة الى ارتفاع نفقات المعيشة بما يؤدي الى فقدان هذه الدول لجاذبيتها
للاستثمارات ويقلل من تنافسيتها في هذا الجال، نظراً للتكلفة المرتفعة لاقامة
المشروعات في السوق الخليجية.
الخليج مُطالب بتنويع اقتصادياته لإنجاح عُملته
ـ تواجه مسيرة استكمال اسس الوحدة النقدية الخليجية بعض المعوقات ا لخاصة بتوحيد
القوانين التجارية بين دول المجلس والتي تتعلق بالنقل بين تلك الدول واخرى تتعلق
بعدم الاتفاق على قائمة موحدة لحماية السلع الوطنية، الى جانب الصعوبات القانونية
الناتجة عن عدم وجود مرجعية قضائية لحل قضايا التبادل التجاري وعدم تفعيل
التشريعات الموجودة، فضلاً عن عدم تفعيل انظمة وقوانين المواصفات والمقاييس في
دول المجلس مع عدم توافر ادلة ارشادية موجزة تتعلق بتطبيق القوانين المقرة في
اطار مجلس التعاون.
ـ يواجه القيام بالاتحاد الجمركي ـ وهو احد الخطوات المسبقة واللازم الوصول اليها قبل
الوحدة النقدية ـ بعض العقبات والتي تتمثل في الاختلاف بشأن المواصفات والمقاييس
للسلع الوطنية، الامر الذي يؤثر على القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية في الاسواق
الخليجية، مع طول فترة اجراءات التخليص والتفتيش في المراكز الحدودية مما يرفع من
التكلفة النهائية للسلع، الى جانب فرض عدد من الشروط من قبل بعض دول المجلس
وخاصة تلك المتعلقة بشهادات المنشأ الوطني وذلك على الرغم من وضوح نص
الاتفاقية الاقتصادية الموحدة في ذلك الشأن، الامر الذي لا يتفق مع طبيعة الصناعات
الخليجية، حيث القيمة المضافة لمعظم الصناعات منخفضة الى حد كبير مما يجعل من
هذه الشروط عائقا حقيقيا امام انسياب السلع بين دول المجلس.
ـ يعد اعتماد دول المجلس على النفط كمصدر رئيسي لايراداتها من اهم التحديات التي
تؤثر على الوصول للعملة الموحدة حيث ان اسعار النفط المتقلبة وتأثيرها في ايرادات
تلك الدول يعني صعوبة الاتفاق على معايير اقتصادية موحدة للوحدة الاقتصادية ومن ثم
صعوبة الاتفاق على نظام مالي موحد وتنظيم الرقابة عليه، فعلى الرغم من تحقيق تلك
الدول لأرباح ضخمة من اسعار النفط القياسية التي تجاوزت الـ 55 دولارا للبرميل في
المتوسط فانها اخفقت جميعها في الموازنة بين الدخل والانفاق في التسعينيات عندما
انخفضت اسعار النفط الى 10 دولارات للبرميل.
ـ تأخر بعض دول مجلس التعاون الخليجي بشأن السماح بفتح فروع للبنوك الخليجية
لديها نتيجة لعدم التنسيق بين تلك الدول حول متطلبات التحول النقدي، الى جانب غياب
الاطر المناسبة لتحقيق القدر اللازم من الاتساق في السياسات الاقتصادية في تلك
الدول وفي مقدمتها السياسة المالية، فضلا عن التأخر في المفاوضات الخاصة ببعض
القضايا المرتبطة بعملية التحول مثل تحديد موقع مقر البنك المركزي الخليجي واسم
العملة الموحدة الجديدة والسلطة النقدية المركزية، وعلى النحو الذي دفع ببعض الخبراء
بالتعليق على ان ما تم تحقيقه حتى الآن من انجازات للوصول الى الوحدة النقدية لا يزال
متواضعا.
ـ اتساع نطاق المصارف الاسلامية في جميع دول المجلس والتي اوجدت ترتيبات مالية
مختلفة وجديدة فيها، فضلا عن التغييرات التي تمت في الاطر والهياكل المتعلقة بتلك
المصارف من الممكن ان تؤثر في معدلات السيولة لدى تلك الدول، خاصة في ظل
النظام المصرفي المختلط القائم حاليا من دول التعاون، كما ان مستقبل هذه المصارف
ومدى مساهمتها في الوصول للوحدة النقدية انما يعتمد بصورة رئيسية على قدرتها
على مواجهة المنافسة مع البنوك التقليدية، خاصة في ظل التغيير الذي حدث لها كلها
مقارنة بالبنوك التقليدية وفي ظل العلاقة الحالية بينها وبين البنوك المركزية بدول
المجلس.
ـ يرى بعض الخبراء انه لا يجب وضع قواعد ثابتة فيما يتعلق بمعايير الوحدة النقدية
الخليجية، فلا يمكن القول على سبيل المثال ان نسبة العجز في الميزانية يجب الا تزيد
على %3 خاصة في ضوء اعتماد دول مجلس التعاون الخليجي على النفط كسلعة
رئيسية لصادراتها وكمصدر رئيسي لايراداتها والذي يتعرض للعديد من التقلبات السعرية،
الامر الذي قد يدفع بتلك الدول في بعض الحالات نحو القبول بمعدلات عجز تصل احيانا
الى 15 او %20 بسبب صعوبة التنبؤ بسعر النفط.
وشددت الدراسة على اهمية استكمال الجوانب الفنية اللازمة لانجاز الاتحاد النقدي قبل
بداية العمل رسميا بالعملة الخليجية الموحدة بحيث تشمل الى جانب اسعار الفائدة
البنكية والتضخم النقدي كلا من سياسات الائتمان والادخار والاستثمار والاصدار، مع
تخصيص ميزانية خليجية لتهيئة القطاع الخاص الخليجي لعملية التحول وذلك على غرار
ما فعل الاتحاد الاوروبي الذي خصص جزءا من الناتج المحلي الاجمالي له لاعداد القطاع
الخاص وتهيئة للعملة الاوروبية »اليورو« فضلا عن اهمية توحيد الحوافز الاستثمارية
التي تقدمها دول الاتحاد بدلا من التفاوت والاختلاف فيما بينها خاصة فيما يتعلق بهيكلة
الاجور في القطاع العام وهيكل الموازنات الى جانب التخلص من تركز القطاع المصرفي
في عدد من البنوك وان يكون الاندماج المصرفي بين البنوك الصغيرة وليس بين البنوك
الكبيرة والقوية.
وطالبت الدراسة الاسراع بتأسيس سلطة نقدية موحدة تسبق البنك المركزي الخليجي
والاتفاق على سعر صرف نقدية موحدة مع احراز مستوى عال من التقارب بين الدول
الاعضاء في السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية والتشريعات المصرفية مع وضع
معايير لتقريب معدلات الاداء الاقتصادي ذات الاهمية لتحقيق الاستقرار المالي والنقدي
الذي يسهم في زيادة تكامل الاسواق، الى جانب اهمية انشاء مجلس نقدي موحد بين
الدول الخليجية كخطوة ضرورية لتنسيق السياسات النقدية خاصة في ظل تشابه
الظروف الاقتصادية والسياسية لدول التعاون فضلا عن تفعيل آليات السوق الخليجية
المشتركة مع اتخاذ خطوات اكثر مرونة بالنسبة لحركات رؤوس الاموال وانتقال الايدي
العاملة الاجنبية بشكل حر بين دول المجلس في ضوء التحسن الاقتصادي الذي طرأ
على اقتصاداتها وذلك بعد عودة اسعار النفط الى الارتفاع وانعكاس ذلك على الاحتياطات
النقدية الاجنبية من العملات الصعبة لدى خزينة كل دولة منها
وتقبلوا تحياتي
م ن ق و ل