الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مضل له، ومَنْ يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله - تعالى - بالهدى ودين الحق، ألم تعلموا ما الهدى وما دين الحق ؟ إن الهدى هو: العلم النافع ودين الحق هو: العمل الصالح، أرسله الله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله على كل الأديان، فبلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
أيها الناس، فلقد مضى على احتلال اليهود للمسجد الأقصى أكثر من اثنتين وثلاثين سنة يعيثون به فساداً وبأهله عذاباً، وفي عام ستة وتسعين وثلاثمائة وألف )1396هـ( أصدرت محكمة يهودية حكماً بجواز تعبُّدِ اليهود في نفس المسجد الأقصى ومعنى هذا الحكم الطاغوتي: إظهار شعائر الكفر في مسجد من أعظم مساجد المسلمين، إنه المسجد الذي أسري برسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من المسجد الحرام ليعرج من هناك أي: من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى إلى الله عزَّ وجل، إنه لثاني مسجد وضع في الأرض لعبادة الله - تعالى - وحده، ففي الصحيحين «عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال، قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول ؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي ؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما ؟ قال: أربعون سنة»(1)، وإنه لثالث المساجد المعظمة في الإسلام التي تُشَد إليها الرحال لطاعة الله - عزَّ وجل - وطلب المزيد من فضله وكرمه، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى»(2) وهنا أنبه إخواني المسلمين وكل مَن يسمع كلامي هذا أنه ليس للمسجد الأقصى حرم وليس حرماً باتفاق المسلمين، ليس هناك حرم إلا حرمان فقط هما: حرم المسجد الحرام وحرم المسجد النبوي، واختلف العلماء - رحمهم الله - في ثالث في الطائف يقال له: وادي وجّ، فقال بعض العلماء: إنه حرم، والصواب الذي لاشك فيه والذي يقطع فيه أنه ليس بحرم .
إذاً: لا نقول إنه ثالث الحرمين؛ لأننا لو قلنا هذا وإن كان له وجهة من حيث اللغة العربية لكن بعض الناس يفهم منه أن للمسجد الأقصى حرماً وليس كذلك وهنا تنبه آخر يقول بعض الناس فيه: إنه أولى القبلتين، وهذا يعني: أن استقباله باقٍ ولكن هو الأول الذي سبق وجوب الاستقبال إليه، وهذا غلط عظيم «بل إن المسجد الأقصى اتجه إليه النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أول ما قدم المدينة ستة عشر شهراً»(ت1) وكان يود أن يستقبل الكعبة كما قال الله عزَّ وجل: +قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ" [البقرة: 144] .
إذاً: ليست القبلة بيت المقدس حتى إن شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله عزَّ وجل - قال: إنه ليس هناك قبلة يجب استقبالها إلا الكعبة في جميع الأديان ولكن استقبال بيت المقدس من تصرف أهل الكتاب؛ وعلى هذا فليس قبلة قائمة بل هي قبلة منسوخة إن صح أن نسميها قبلة، إنه المسجد الذي يقع في الأرض المقدسة المباركة مقر أبي الأنبياء إبراهيم الخليل ومقر بنيه سوى إسماعيل هي مقر إسحاق ويعقوب إلى أن خرج يعقوب وبنيه إلى مصر إلى ابنه يوسف فبقوا هنالك حتى صاروا أمة بجانب الأقباط أي: بجانب الفرعونيين الذين يسومونهم سوء العذاب حتى خرج بهم موسى - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فراراً من آل فرعون، وقد ذكَّر الله - سبحانه و تعالى - بني إسرائيل بهذه النعمة الكبرى بقوله عزَّ وجل: +وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ" [البقرة: 49] وذكَّرهم بها نبيهم موسى - صلى الله عليه وسلم - فقال كما حكى الله - عزَّ وجل - عنه في قوله تعالى: +يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ" [المائدة: 20] «يعني: في وقتهم وأمرهم بجهاد الجبابرة الذين استولوا على الأرض المقدسة وبشرهم بالنصر حيث قال لهم موسى - صلى الله عليه وسلم - كما أخبر عنه ربه - عزَّ وجل - في قوله تعالى: +يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ" [المائدة: 21] و إنما كتبها الله لهم؛ لأنهم في ذلك الوقت أحق الناس بها؛ حيث إنهم أهل إيمان وصلاح وشريعة قائمة»(ت2)، قال الله عزَّ وجل: +وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ" [الأنبياء: 105-106] ولكن بني إسرائيل نكلوا عن الجهاد وقالوا لموسى - صلى الله عليه وسلم - كما أخبر الله - عزَّ وجل - عنهم في قوله تعالى: +إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ" [المائدة: 22] وقال الله - عزَّ وجل - عنهم حينما قالوا لموسى صلى الله عليه وسلم: +اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ" [المائدة: 24] فنكلوا عن الجهاد ومواجهة عدوهم ونابذوا رسولهم بهذا الكلام المنكر فلما فعلوا ذلك «حرم الله عليهم الأرض المقدسة فتاهوا في الأرض ما بين مصر والشام أربعين سنة لا يهتدون سبيلاً حتى مات أكثرهم أو كلهم إلا مَن وُلدوا في التيه فمات في التيه هارون وموسى - عليهم الصلاة والسلام - وخلفهما يوشع فيمن بقي من بني إسرائيل من النشء الجديد وفتح الله عليهم الأرض المقدسة وبقوا فيها»(ت3) «حتى آلى الأمر إلى داود وسليمان - عليهما السلام - فجدد بناء بيت المقدس وكان يعقوب قد بناه قبل ذلك»(ت4) «ولما عتا بنو إسرائيل عن أمر ربهم وعصوا رسلهم سلط الله عليهم ملكاً من الفرس يقال له: بختنصر، فدمر بلادهم وبددهم قتلاً وأسراً وتشريداً وخرّب بيت المقدس للمرة الأولى»(ت5) «ثم اقتضت حكمة الله - عزَّ وجل - بعد انتقامه من بني إسرائيل أن يعودوا إلى الأرض المقدسة وينشئوا نشأً جديداً كما قال الله تعالى: +ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا" [الإسراء: 6] فنسوا ما جرى عليهم وكفروا بالله ورسله، قال الله عزَّ وجل: +لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ" [المائدة: 70]، فسلط الله عليهم بعض ملوك الفرس أو الروم مرة ثانية فاحتلوا بلادهم وأذاقوهم العذاب وخرَّبوا بيت المقدس»(ت6) كما قال الله تعالى: +وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا" [الإسراء: 7] كل هذا بسبب ما وقعوا فيه من المعاصي والكفر بالله - عزَّ وجل - وبرسله، قال الله تعالى: +وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" [الأنعام: 129]، «ثم بقي المسجد الأقصى في أيدي النصارى والروم من قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو ثلاثمائة سنة»(ت7) «حتى أنقذه الله - تعالى - من أيديهم بالفتح الإسلامي على يد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في السنة الخامسة عشرة من الهجرة فصار المسجد الأقصى بأيدي أهله حقاً ووارثيه حقاً وهم المسلمون»(ت8) كما قال الله عزَّ وجل: +وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" [النور: 55]، فبقي في أيدي المسلمين «حتى استولى عليه النصارى من الفرنج أيام الحروب الصليبية في الثالث والعشرين من شهر شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة من الهجرة )492هـ( فدخلوا المقدس في نحو مليون مقاتل وقتلوا المسلمين بل قتلوا من المسلمين نحو ستين ألفاً ودخلوا المسجد واستولوا على ما فيه من ذهب وفضة وكان يوماً عصيباً على المسلمين أظهر النصارى شعائرهم في المسجد الأقصى فنصبوا الصليب وضربوا الناقوس وحلت فيه عقيدة: إن الله ثالث ثلاثة وعقيدة: إن الله هو المسيح ابن مريم وعقيدة: المسيح ابن الله وهذا واللهِ من أعظم المحن وبقي النصارى في احتلال المسجد الأقصى أكثر من تسعين سنة»(ت9) «حتى استنقذه الله - عزَّ وجل - من أيديهم على يد صلاح الدين الأيوبي يوسف بن أيوب - رحمه الله - في سبع وعشرين من رجب عام ثلاثة وثمانين وخمسمائة فكان فتحاً مبيناً ويوماً عظيماً مشهوداً أعاد فيه إلى المسجد الأقصى كرامته وكسر الصلبان وأعلنت فيه عبادة الواحد الديان»(ت10)، «ثم إن النصارى أعادوا الكرَّة على المسلمين فضيقوا على الملك الكامل ابن أخي صلاح الدين فصالحهم على أن يعيد إليهم بيت المقدس ويخلوا بينهم وبين البلاد الأخرى وذلك في ربيع الآخر سنة ست وعشرين وستمائة فعادت دولة الصليب على المسجد الأقصى مرة أخرى واستمرت النصارى عليه»(ت11) كما قال الله تعالى: +وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً" [النساء: 47]، «حتى استنقذه منهم الملك الصالح أيوب سنة أربع وأربعين وستمائة )644هـ( وبقي في أيدي المسلمين»(ت12)، وفي ربيع الثاني من عام سبعة وثمانين وثلاثمائة وألف احتل اليهود أعداء الله ورسوله بمعونة أعدائهم النصارى بيت المقدس ولا يزال في أيديهم وتحت سيطرتهم ولم يتخلوا عنه إلا بفتح إسلامي حقيقي، وقد قالت رئيسة دولتهم حينذاك فيما بلغنا: إن كان من الممكن أن تتنازل إسرائيل عن تل أبيب فليس من الممكن أن تتنازل عن أورشليم القدس، نعم، لن تتنازل اليهود عن القدس إلا بالقوة، ولا قوة إلا بنصر من الله عزَّ وجل، ولا نصر من عند الله إلا إذا نصرناه لقول الله تعالى: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" [محمد: 7]، وإن النصر لن يكون بالأقوال البراقة العنترية والخطب الرنانة التي تحول القضية إلى قضية سياسية وهزيمة مادية إقليمية، إنه لا يمكن النصر إلا أن نقوم بدين الله على الوجه الذي يرضاه عنَّا: أن نحكم بشريعة الله، وأن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر كما أمرنا الله - عزَّ وجل - في قوله: +الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ" [الحج: 41]، فنسأل الله - تعالى - في هذا المكان أن يرد المسلمون إلى ربهم رداً جميلاً، وأن يحكموا بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن يقاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا لا لنصر قومية ولا لنصر إقليمي، ولكن لتكون كلمة الله هي العليا، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل بلدنا هذا آمناً وسائر بلاد المسلمين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين وإمام المتقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون، فإن ما قصصناه عليكم من أخبار بيت المقدس إنما هو ما كتبه المؤرخون أهل الإسلام وهم الذين يُعتد بقولهم ولا يؤخذ بقول مَن سواهم؛ لأنهم أمناء على التاريخ الإسلامي وأصدق الناس قولاً فيما يقولون من هذه الناحية؛ ولأنهم ثقاة لا يمكن رد أقوال أحدهم لما كتبه المتأخرون المعاصرون؛ لأن التاريخ - بلا شك - تدخله الأهواء وتدخله الآراء ويخضع للسياسة ويخضع للقوة أيضاً، فهذا هو المعتمد عندنا: أن نعتمد فيما جرى على بيت المقدس على ما ذكره الله ورسوله في الكتاب والسنة وما لم يكن مذكوراً فيهما فإننا نعتمد فيه على ما قاله المؤرخون المسلمون لا على ما قاله أعداء المسلمين نحو هذا الأمر أو من أخذ أفكارهم.
أيها الإخوة، في هذه الأيام دخل أحد طغاة اليهود إلى المسجد الأقصى بجنوده؛ إما ليغيظ المسلمين أو ليصلي فيه تقرباً إلى الله كما زعم فحصل من ذلك أن الفلسطينيين غاروا لهذا فرموه بالحجارة وحينئذٍ سلطت اليهود قواتها على الفلسطينيين فحصل ما حصل من القتل والجرح وغار المسلمون في كل مكان لهذه القضية وأنكروها إنكاراً شديداً واجتمعوا لها في المؤتمرات وغيرها وبذلوا لها الأموال وكان ممن بذلوا لها الأموال حكومتنا هذه على المستوى الرسمي والشعبي فتبرعوا بأموال كثيرة لسدِّ حاجة هؤلاء المساكين الذين دُمرت بلادهم وفقدوا أبناءهم وفقدوا مَن يعولهم فكان من الحسن أن يتبرع المسلمون لهؤلاء، نسأل الله - تعالى - أن يوصل ما تبرع به المسلمون إليهم على وجه كامل ليس فيه خداع ولا غش ولا سلب ولا كتم، حكومتنا - وفقها الله - تبرعت على المستوى الرسمي بمال كثير وكذلك على المستوى الشعبي وأمرت أن يتبرع الشعب لهؤلاء المساكين، وبناءً على ذلك فإنه سيكون على أبواب مسجدنا هذا قوم يتلقون التبرعات، فليتبرع مَن معه شيء بما يسر الله عليهم لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «اتقوا النار ولو بشق تمرة»(3) ومَن لم يكن معه شيء أو كان معه شيء يظن أنه لا يكفي فقد فُتح لهؤلاء حساب في شركة الراجحي وفي البنك الأهلي فليذهب إليهم وليسلم لهم ما أعطاهم وليأخذ ورقة إيصال فيدفعها إلى هيئة الإغاثة أو إلى مكتب الأوقاف أو إمام المسجد الذي يريد أن يعطيه هذه الوثيقة - أعني: وثيقة الإيصال - أسأل الله - تعالى - أن يجعل عملنا وإياكم خالصاً لله، وأن يخلف علينا ما أنفقنا خيراً منه، إنه على كل شيء قدير، واعلموا - رحمكم الله - أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة - أعني: في دين الله - بدعة، وكل بدعة ضلالة، فاجتمعوا على سنة الله ولا تتفرقوا فيها؛ فإن مَن شذَّ عن الجماعة شذَّ في النار، وأكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يعظم الله لكم بها أجراً وتمتثلوا أمر الله - تعالى - في قوله: +إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطناً، اللهم توفنا على ملته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي أفضل أتباع المرسلين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عنا معهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين، وأصلح بطانتهم، وأصلح شعوب المسلمين يا رب العالمين، اللهم ادفع عنا البلاء، والوباء، والربا، والزنا، واللواط، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، +رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " [الحشر: 10 ] .
عباد الله، +إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ" [النحل: 90-91]، وأكثروا من ذكر الله؛ فإن مَن ذكر الله - تعالى - ذكره الله: «مَن ذكر الله في نفسه ذكره الله في نفسه ومَن ذكره في ملإٍ ذكره الله في ملإٍ خيرٍ منه»(4)، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
-------------------
(ت1) انظر إلى تفسير هذه الآية الكريمة من سورة البقرة، رقم 144 في تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى .
(ت2) انظر إلى تفسير هذه الآية من سورة المائدة رقم 20-21 في تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى، الجزء 1 من صفحة 47-121 و 129-256 الجزء 2 الصفحة 51 .
(ت3) انظر إلى تفسير هذه الآية الكريمة في تفسير ابن كثير -رحمه الله تعالى- عند تفسيره للآية 26 من سورة المائدة وانظر إلى البداية والنهاية للحافظ بن كثير -رحمه الله تعالى- في قصة نبي الله يوشع عليه السلام في المجلد الأول صفحة 303 .
(ت4) انظر إلى تفسير ابن كثير -رحمه الله تعالى- عند تفسيره للآية 34 من سورة ص، وكذلك ذكرها ابن كثير -رحمه الله تعالى- هذه القصة في البداية والنهاية في المجلد الأول الجزء الثاني صفحة 24.
(ت5) انظر إلى هذه القصة ذكرها الحافظ بن كثير -رحمه الله تعالى- عند تفسيره للآيتين 5-7 من سورة الإسراء وكذلك ذكرها في البداية النهاية في أحداث سنة 492 في المجلد الثاني عشر صفحة 166 .
(ت6) انظر إلى تفسير هذه الآية الكريمة عند القرطبي -رحمه الله تعالى- في تفسير الآية رقم 7 من سورة الإسراء .
(ت7) انظر إلى هذه القصة ذكرها ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسيره المبارك عند تفسير الآيتين 5-7 من سورة الإسراء وكذلك ذكرها في البداية والنهاية حين ذكر أحداث عام 492 في الجزء الثاني عشر صفحة 166، وانظر إلى هذه القصة قصة خراب المسجد الأقصى إلى إعادة إعماره ذكرها ابن كثير -رحمه الله تعالى- في البداية والنهاية المجلد الأول الجزء الثاني من صفحة 31-41 .
(ت8) انظر إلى هذه القصة ذكرها ابن كثير -رحمه الله تعالى- في البداية والنهاية في المجلد الرابع الجزء السابع من صفحة 256-265 .
(ت9) سبق تخريج هذه القصة في صفحة 5 في نفس هذه الخطبة .
(ت10) انظر إلى ما ذكره الحافظ بن كثير -رحمه الله تعالى- في المجلد السادس الجزء الحادي عشر من صفحة 344-350 ذكر هذه القصة من أحداث 583 .
(ت11) انظر إلى هذه القصة ذكرها الحافظ بن كثير -رحمه الله تعالى- في كتابه المبارك البداية والنهاية عندما ذكر أحداث 626 هـ على صاحبها نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، انظر إلى هذه القصة في المجلد السابع الجزء الثالث عشر صفحة 133 .
(ت12) انظر إلى أحداث هذه القصة في سنة 644 هـ في كتاب البداية والنهاية ذكرها الحافظ بن كثير -رحمه الله تعالى- في الجزء 13 الصفحة 171 .
(1) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب أحاديث الأنبياء (3115)، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب المساجد ومواضع الصلاة (808) من حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه. ت ط ع، انظر إلى الجزء الأول من البداية والنهاية عند ذكره قصة الذبيح صفحة (152) .
(2) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الجمعة (1115)، ومسلم في كتاب الحج (2475) من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، ت ط ع .
(3) أخرجه البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب الزكاة رقم (1328)، ومسلم في كتاب الزكاة رقم (1687) من حديث عدي بن حاتم -رضي الله تعالى عنه- واللفظ للبخاري، ت ط ع .
(4) أخرجه البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب التوحيد باب قوله تعالى: +لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ" [آل عمران: 28] وقوله جلَّ ذكره: +تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ" [المائدة: 116]، رقم (6859) ت ط ع، وأخرجه مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب الحث على ذكر الله -تعالى- من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، رقم (4832) ت ط ع .