اصـــطـــلاح ســـخـــيـــف
--------------------------------------------------------------------------------
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد :
فإن أحسن الكلام كلام الله تعالى ، وخير الهدي ، هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
كما يعلم أحبتي الكرام على الساحة الإسلامية ، أن طريق السلامة والمحبة والأجر والتوقير والكرامة لنبي هذه الأمة هو الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم - عند ذكره ، امتثالا لأمر الله سبحانه ، وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم الذي علمه لأصحابه .
ولهذا ينهى عن جميع الألفاظ والرموز للصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم - اختصارا ، كما هو مشاهد من جماهير كتّاب هذه الساحة ، معتقدين أن ذلك من الاختصار المحمود أو بعمله هذا يوفر وقتا وجهدا ، ولو عرف ما ضيّعه من أجور على نفسه لكفى بهذه الخسارة زاجرة له ، فكيف إذا اجتمعت الخسائر والمفاسد والمخالفة .
قال صلى الله عليه وسلم :- (( من صلى علي واحدة ، صلى الله عليه عشر صلوات ، وحطّ عنه عشر خطيئات ، ورفع له عشر درجات )) .
وعن الرموز المستخدمة من جماهير الكتّاب هذه الأيام مثل : ص - صعم - صلعم - صلم - صليو - صلع …. إلى آخره .
قال الأستاذ عبد القادر المغربي :- (( وقد لاحظت في مخطوطة - الثقلاء - أمورا تدل على قدم المخطوطة واتصالها بالأولين من علمائنا . من ذلك جملة - صلى الله عليه وسلم - ، التي تذكر عقب اسم سيدنا ! الرسول ، لا تكتب في المخطوطة إلا مرموزا إليها بحروف أربعة : الصاد من صلى ، واللام من الله ، والياء من عليه ، والواو من وسلم ، هكذا - صليو - ، لا بكلمة - صلعم- كما نفعل نحن اليوم . وقد رأيت في - رسائل إخوان الصفا - رمزا للتصلية ! بحروف ثلاث فقط ، وهي : - صلع - ، متصلة بدون ميم ، أما - صلعم - فيظهر أنها اخترعت في حدود التسعمائة للهجرة . جاء في شرح ألفية العراقي في مصطلح الحديث عند قول الناظم : - واجتنب الرمز لها والحذفا - ، أي اجتنب الرمز للتصلية ! النبوية وحذف حرف من حروفها وإنما ائت بها في النطق والكتابة كلها . ثم ذكر شرحها الشيخ زكريا الأنصاري أن الشيخ النووي نقل إجماع من يعتد بهم على سنية الصلاة على النبي نطقا وكتابة . إذا لا يكون من السنة أن يرمز إليها بحرف ما .
ثم ذكر الشيخ الأنصاري أن الكاتب الذي كان أول من رمز للتصلية ! بحروف - صلعم - قطعت يده والعياذ بالله تعالى ، ولا يخفى أن الشيخ زكريا الأنصاري توفي في القرن العاشر للهجرة 926 هـ )) . انتهى كلام الأستاذ عبد القادر المغربي .
وفي كتاب - التذكرة التيمورية - ص 229 ما نصه : -(( كلمة - صلعم - لا تجوز ، بل الواجب التصلية ! والتسليم … ، وهذا يدل على أن هذا الاختصار أو النحت الممقوت من زمن ابن حجر )) . انتهى . وابن حجر الهيتمي توفي سنة 974 هـ .
وقد أشار إلى المنع من هذا من قبل - الفيروز آبادي في كتابه - الصلات والبُشر - فقال : - (( ولا ينبغي أن ترمز الصلاة كما يفعله بعض الكسالى والجهلة وعوام الطلبة ، فيكتبون صورة - صلعم - بدلا من - صلى الله عليه وسلم - )) . انتهى .
وقال العلامة أحمد شاكر - رحمه الله تعالى - عن هذه الرموز والألفاظ المبتدعة ، قال عنها : (( اصطلاح سخيف )) . انتهى .
وقال علامة القصيم فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين في - أسئلة وأجوبة عن ألفاظ ومفاهيم في ميزان الشريعة - : (( من آداب كتابة الحديث كما نص عليه علماء المصطلح أن لا يرمز إلى هذه الجملة بكلمة - ص - ، وكذلك لا يعبر عنها بالنحت مثل - صلعم - ، ولا ريب أن الرمز أو النحت يفوت الإنسان أجر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه إذا كتبها ثم قرأ الكتاب من بعده ، وتلا القاريء هذه الجملة صار للكاتب الأول مثل ثواب من قرأها ، ولا يخفى علينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال فيما ثبت عنه أن من صلى عليه - صلى الله عليه وسلم - ، مرة واحدة صلى الله عليه عشرا ، فلا ينبغي للمؤمن أن يحرم نفسه الثواب والأجر لمجرد أن يُسرع في إنهاء ما كتبه )) . انتهى .
وقرّر من قبل العلامة صدّيق حسن خان ، ما قرره الشيخ محمد الصالح العثيمين - حفظه الله - أن الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر ، وكتابة هذه الصلوات بعد ذكره في الكتاب صلى الله عليه وسلم ، من أعظم الأسباب والقرب في رفعة درجات العبد عند الله سبحانه وتعالى . ولا يخفى أن المحدثين هم أوفر الناس نصيبا من هذا الفضل العظيم .
يقول العلامة صدّيق حسن خان - رحمه الله - في كتابه - نـزل الأبرار بالعلم المأثور من الأدعية والأذكار - ، بعد أن ساق أحاديث كثيرة في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والإكثار منها ، قال في ص 161 ما نصه :
(( لا شك أن أكثر المسلمين صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، هم أهل الحديث ورواة السنة المطهرة ، فإن من وظائفهم في هذا العلم الشريف التصلية ! عليه أمام كل حديث ، ولا يزال لسانهم رطبا بذكره صلى الله عليه وسلم ، وليس كتاب من كتب السنة ، ولا ديوان من دواوين الحديث ، على اختلاف أنواعها ، من الجوامع و المسانيد و المعاجم و الأجزاء وغيرها ، إلا وقد اشتمل على آلاف الأحاديث ، حتى إن أخصرها حجما كتاب - الجامع الصغير - للسيوطي فيه عشرة آلاف حديث ، وقس على ذلك سائر الصحف النبوية ، فهذه العصابة الناجية والجماعة الحديثية أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، وأسعدهم بشفاعته صلى الله عليه وسلم ، - بأبي هو وأمي - ولا يساويهم في هذه الفضيلة أحد من الناس إلا من جاء بأفضل مما جاؤوا به ، ودونه خرط القتاد ، فعليك يا باغي الخير وطالب النجاة بلا ضير ، أن تكون محدّثا أو متطفلا على المحدثين ، وإلا فلا تكن … فليس فيما سوى ذلك عائدة تعود إليك )) . انتهى كلامه عليه رحمة الله .
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا ويسددنا بأقوالنا وأعمالنا لما يحبه ويرضاه ويقبله ، وألا نكون ممن يبخس حق نبيه صلى الله عليه وسلم ، فيستكثر كتابة الصلاة عليه كاملة ويرمز لها بتلك الطلاسم السخيفة ، كما أسأله سبحانه وتعالى أن لا نكون ممن قال فيهم نبيه صلى الله عليه وسلم : البخيل من ذكرت عنده فلم يصلي علي . فصلوات ربي وسلامه على نبينا ورحمة الله وبركاته .
اللهم صل على محمد ، وعلى أهل بيته ، وعلى أزواجه وذريته ، كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد ، وعلى أهل بيته ، وعلى أزواجه وذريته ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .