05-04-2008, 12:20 AM | #1 | ||
|
شرح قصيدة دثريني يا منيرة زمليني يا منيرة للدكتور ناصر السعيدي الهذلي
دثرينـي يـا منيـره زملينـي يــا منـيـره=يا منيره في فـوادي فـرخ عبـدٍ طـق زيـره من هنوفٍ صوبها راع الهـوى يشعـب بعيـره=سيـدة سـادات قـومٌ سـادةٌ أبـنـاء ســاده من بهاها يا منيره ويش أوصف ويـش أخلـي=في جبين الطهـر منهـا بـدر سبتيـن متجلـي هالـةٍ دون المصلـى أخلفـت وجـه المصلـي=في محاجرها عقيد القـوم يومـي بـه جـواده الحجـاج هـلال مـا هـو فـي أهلتنـا مقيّـد=من يشوفه قبـل لا يبـدي هـلال العيـد عيّـد لا متى والموت حدر رموشهـا السـود يتصيـد=لا متى ذبح البشر عند العيـون السـود عـاده دوب يانـع وردهـا فـي روض لبتهـا تفتـق=في سحر منطوقها صرفٍ مـن الـراح المعتـق وكن ظفايرها علـى الغـره ليـا قامـت تنتـق=خدم سـودٌ وقـوفٌ حـول بنـت البيـه غـادهٌ يا وجـودي يالزبـاد الزبـد يالبيـض المقشر=يوم حازت من أمامـي عمـد وأحمـر المؤشـر مـا أنـا إلا أخـو عقـمٍ بمـولـودٍ مبـشـر=من سروري يوم أعانق طيفها فـوق الوسـاده كن أصابعهـا مـن العنـاب أو بسـر عراقـي=أو بلح شـامٍ مجفـف أو قنانـي خمـر ساقـي وكن ترايبها صحاف التـرك حمـران الطواقـي=في سنا نور رقبتهـا ذابـت أكثـر مـن قـلاده فتنةٍ من شافها في جو سابـع عـرش عـرّش=كاد ناعم ثوبها فـي جسمهـا الغـض يتحـرّش مرحبا يا مرحبا يـا مرحبـا بالطـش والـرش=بالحرير الحـر والغـرو الغريـر الغـر عـاده كل مـا تكبـر تزيـن وكـل مـا تقـدم تجـدد=كن نحرهـا مـن وراء بوابـة الثـوب يتهـدد حجم ناحل خصرها في ردفهـا لا جيـت أحـدد=حجم نقطة نون داخل نـون مـا تقبـل زيـاده بيـن خصـرٍ إشتـراكـيٍ وردفٍ رأسمـالـي=ويل ويلي شيب عيني طر جيبـي ويـل حالـي كل غضٍ فـي نحرهـا شايـفٍ نفسـه معالـي=والثنيـن بصـراحـه يستحـقـون الإشــاده كن عايـم صدرهـا فـي وقفتـه قـرمٍ ينـادي=في خضم المعركه هل مـن مبـارز أو معـادي من غروره يعتبر كل مـا نقولـه فيـه عـادي=يا مصابيح الرواهب من بياضـه فـي سـواده من مـزاج الزنجبيلـه فـي شفـاه السلسبيلـه=أورد الساعـي كليـبٌ حتفـه نظـم الجليـلـه جمـرةٍ فـي روح تمـره ضيعـت أبـو دليلـه=قايـدٍ حـاذاه قايـد ريـم وأنـسـاه القـيـاده مـن ليونتهـا كـأن مالـه ولا عظـمٍ جسدهـا=ومن نعومتها تخاف خدودها مـن لمـس يدهـا ومن كثر ما مشيها جذاب مـا تمشـي وحدهـا=ومن كثر ما جلدها صخيفٍ تحب اللبـس سـاده ويش يسوى المسك وأبو المسك مع ريحة عرقها=يوم ذبت شالهـا وأهتـز فـي الملعـب حلقهـا مـا كـأن الله مثـل باقـي مخاليقـه خلقـهـا=فتنةٍ كانـت طقـوس القصـر تعبدهـا عبـاده التحليل الفني والرؤيا النقدية: تمهيد: تختلف الرؤى النقدية والتأويلات باختلاف النظر إلى الوظيفة الشعرية,هل هي محاكاة؟أم انعكاس؟أم مغامرة لغوية؟أم متعة فقط؟ وسنجد النص السابق,يعرّج على كل الوظائف السابقة,كمايتضح في نهاية التحليل. أمانظرية المحاكاة الأفلاطونية,فترى أن الشعر إلهام, ومصدره القوى العليا,والشاعر يصدرعن هذا الإلهام المحض,وهو ماأراد به الشاعر في المعادلة الفنية في مطلع القصيدة:دثريني..زمليني..ليرمزلتنبؤه الشعري وأنه ملهم من القوى العليا..والفرق بين الشاعر والنبي: أن النبي : {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى }النجم3 أما الشاعر(فكل نطقه هوى وخيال ورموز),فالمعادل الموضوعي بينهما مفقود في هذا العنصر على وجه التحديد,لاختلاف مصدر الإلهام وطبيعته,وهذا مايتضح من خلال التحليل الآتي:
دثريني يا منيره زملينـي يـا منيـره=يا منيره في فوادي فرخ عبدٍ طق زيره
مطلع القصيدة يحاول فيه الفراعنة أن يثبت نبوءته الشعرية,وأنه المتنبي الجديد, وآخر شعراء العرب,وأعظمهم شأنا ,من خلال الإسقاط التاريخي,وذلك حين يستلهم الحادثة المشهورة التي نزلت بمناسبتها سورتي: المدثر والمزمل,ليضع معادلا فنيا لا موضوعيا،بين الحادثتين..على النحوالتالي: هناك سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم.... وهنا= سيد الشعراء . هناك رسالة ,وهي الإسلام العظيم...... وهنا= رسالة,وهي المدرسة الفرعونيةالجديدة. هناك خديجة رضي الله عنها حاضنة الرسول عليه السلام وهنا = منيرة رمز للمرأة التي تقف خلف الرجل العظيم دثروني الأولى,ومقولة زملوني الثانية..وهنا:دثرينـي يـا منيـره زملينـي يــا منـيـره مع الحفاظ على الترتيب نفسه هناك موحي وهو جبريل عليه السلام.. وهنا موحي,وهو فـرخ عبـدٍ طـق زيـره هناك الوحي خارجي :ضمه وإغفاءة.. وهنا الوحي داخلي: في فـوادي وهو الإلهام الشعري وقد أشارت الكلمات الظاهرة إلى الدلالات الباطنة ,فظهرت هذه المعادلة مع تقديم الفراعنة لها بذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وتسامحه فيما قد يشطح إليه الشعراء من ضرورات فنية كما في قصيدة كعب بن زهير:بانت سعاد.. وفي لقاء سابق كان يردد: إيه أنا شاعرمضر.. إيه أنا شاعر مضر,وتمثل ببيت المتنبي:أنام ملء جفوني عن شواردها.....وكلها فتحت آفاق النص لمثل هذا التفسير. وقبيل هذه القصيدة ردد العبارة الشهيرة:وراء كل رجل عظيم امرأة,ليمهد لقوله:يامنيرة...يامنيرة...يامنيرة..حيث يتبدى ذكاء الشاعر في اختيار هذا الاسم بالذات وتكراره له ثلاث مرات, فمنيرة رمز للمرأة العربيةالبدوية,وقد حرص الشاعرعلى أن يتفق في المعادلة الموسيقية مع اسم خديجة..وكرره على عادة البدو في الاعتداد بالشقيقات أو البنات في الملمات..فالوحي الذي نزل عليه والشيء الذي أفزعهالجمال الذي رآه) استدعى البحث عن منيرة وهو الاسم الشائع عند بوادي قبائل الجزيرة العربية,ودلالة معناه المشتقة من النور تعكس إشعاعا على النص, وعلى إشراقة الهنوف التي:من بهاها يا منيره ويش أوصف؟ ويـش أخلـي؟ !! الهنوف هي محور جميع أبياته اللاحقة, وهي الهدف وهي الغاية وهي نقطة النهاية, وماحولها محيط الدائرة وقطب الرحى, فهي مركز المغناطيس الذي يجذب العشاق من كل مكان, فـهي التي :صوبها راع الهـوى يشعـب بعيـره وهي التي :في محاجرها عقيد القـوم يومـي بـه جـواده و هي التي جمالها:من يشوفه قبـل لا يبـدي هـلال العيـد عيّـد وهي التي:يوم حازت من أمامي عمـد وأحمـر المؤشـر ولكن من تكون هذه الهنوف الفاتنة؟؟؟ الجواب:سيـدة سـادات قـومٌ سـادةٌ أبنـاء ســاده وهي على عادة الفراعنة في محاولاته استقصاء الوصف, والبلوغ به إلى درجة التناهي في تسلسل معنوي,يوحي بأنها منتهى الوصف في العزة والرفعة والمنعة وشرف الحسب وعلو النسب,ثم قال: من بهاها يا منيره ويش أوصف ويـش أخلـي في هذا المقطع يظهر الشاعر كصاحب فكر منظم..يدل على أنه يكتب القصيدة بعبقرية, ووعي تام,فقد ذكر الوصف العام لهذه الهنوف(وهو البهاء بشكل عام),ثم بدأ يتدرج في ذكر الأوصاف التفصيلية لجمالها,وقد أحسن التدرج الوصفي حين اهتم أولا بالجانب الأهم في المرأة, وهو الجانب الروحي وجمالها المعنوي الداخلي المتمثل في شرفها وعفتها,في قوله:في جبين الطهر منهـا بـدر سبتيـن متجلـي وهذا البيت يشئ بالكثير من الدلالات, فقد اختار الجبين, وهو الناصية,لما جرى من عادة العرب في معرفة الخيل الأصيلة من خلال غرتها,والغرة هي البياض داخل السواد, أو اللون الزاهي داخل لون قاتم أو العكس, ومن هنا كان تفسير قوله عليه الصلاة والسلام:تبعث أمتي غرا محجلين,في إشارة إلى طهارة الوضوء,والعبارة تستمد جمالها أيضا من الحركة المجازية في تشخيص الطهر رمز الشرف في صورة كائن مرئي له لون,يلوح في جبين هذه الهنوف, معتمدا على الإيحاء بالمعنى من خلال الصورة الكنائية :منها بدر سبتين متجلي,وهي كناية عن ملاحظة صورة البدر بعد مرور أسبوعين , وهي صورة مألوفة حتى عند العوام أن يصفوا المرأة البهية بأنها:قمر أربع طعشر,لكن الشاعر خالفهم حين نقل الوصف من الجانب الحسي إلى الجانب الروحي،فالطهر يلوح نوره كمايلوح ضياء القمر منتصف الشهر,فالعفة في الجبين تحولت عند الفراعنةإلىصفراء فاقع لونها تسر الناظرين)كضوء القمر في الرابعة عشر, وهذا هو الفرق بين المعاني المباشرة السطحية عند العوام, وبين هذا المعنى الشعري العميق الذي يشير إلى خيال واسع وثقافة دينية عميقة!! ثم يقول بعده مباشرة: هالـةٍ دون المصلـى أخلفـت وجـه المصلـي هالة الضياء وهامة الجمال لوسطعت جانب المصلي,لقطع صلاته,وهو معنى مستمد من قول الشاعر:
قل للمليحة في الخمار الأسودِ=ماذا فعلت بناسك متعبـدِ؟؟ قد كان شمّر للصلاة ثيابـه=حتى وقفتِ إزاءه بالمسجـدِ أخلفتِ منه صلاته وقيامـه=لاتفتنيه بحق ديـن محمـدِ وجمال بيت الفراعنة في التمهيد له في البيت الذي قبله بقوله:في جبين الطهر,فليس عقب الطهارة إلا الصلاة. وفي قوله: في محاجرها عقيد القـوم يومـي بـه جـواده ,انعطافة للوصف التفصيلي الذي أشار له بقوله: ويش أوصف ويـش أخلـي , وهي على التوالي: (جبينها..محاجرها..حجاجها..رموشها..عيونها..لبتها..م نطوقها..ظفايرها..بياضها..طيفها..أصابعها..ترايبها.. رقبتها..جسمها..نعومتها..نحرها..خصرها..ردفها..نهدها ..صدرها..بياضها..ليونتها..نعومتها..خدودها.. ..يدها..مشيها..جلدها..رائحتها..حركتها.. ) لينتهي به القول المختصر في كل ما مضى أنها: فتنةٍ كانـت طقـوس القصـر تعبدهـا عبـاده فبدأ بذكرمحاجر العين,وجعل الجواد يطير إليها,فهي عنصر جذب ليس للخيّال: (عقيد القوم )فحسب, بل ولجواده أيضا الذي أغراه بياض الغرة في ناصية هذه المهرة, في جبين الطهر,بالارتماء :في محاجرها: في محاجرها عقيد القـوم يومـي بـه جـواده وهويذكرنا بقول الشاعر الجاهلي المنخل اليشكري : وأحبها وتحبني.........ويحب ناقتها بعيري فعشق التتيم والوله بينهما انتقلت عدواه إلى حيوانيهما,وهنا الجواد يسابق صاحبه إلى محاجرها. ولانريد أن ندخل في تفاصيل أوصاف الأعضاء الخارجية لهذه الهنوف الفاتنة,فمعظمها أوصاف شكلية,تعتمد على الصور التشبيهية المألوفة, كتشبيه الحجاج بالهلال,ووصف الرموش بالسواد,وفتك الرموش بفتك السهام, وتشبيه الخد بالورد,ولبتها بالروضة,وتشبيه نطقها بالسحر,والخمر المعتقة,وظفاير شعرها بالعبيد السود,وتشبيها ببنات البشوات,وتشبيه بياضها ببياض الزبدة.وبالبيض المقشر,وأصابعها بالعنب, والتمر العراقي ,والبلح الشامي, وقناني الخمر, وتشبيه ترائبها بصحاف الترك,ونوررقبتها بهالة الشمس.... ولكن حسبنا أن نشير إلى المعجم التصويري الذي حاول أن يشبع جميع الحواس الخمس بمافي ذلك الحاسة السادسة,فمن المحسوسات الظاهرة نجد: المبصرات,والملموسات,والمذوقات,والمسموعات,والمشموما ت. فمن المشمومات:ويش يسوي المسك وأبو المسك مع ريحة عرقها؟!! ومن المسموعات: طق زيره...في سحر منطوقها.. ومن المذوقات:صرف من الراح المعتق..من مزاج الزنجبيلة في شفاه السلسبيلة. ومن الملموسات:ناعم ثوبها..في جسمها الغض..الحرير الحر..كل غض في نحرها..من ليونتها كن ماله ولاعظم جسدها..ومن نعومتها تخاف خدودها من لمس يدها..ومن كثر ماجلدها صخيف . إلا أن المعجم البصري,يظل المهيمن على عناصر القصيدة,فنجد الوصف الشكلي: الحجاج هلال...كن ترايبها صحاف الترك..كن عايم صدرها قرم ينادي... ونجد الأحجام المقدرة: حجم ناحل خصرها..حجم نقطة نون ..كل ماتكبر تزين..الغرو الغرير..ونجد الوصف الحركي:من كثر مامشيها جذّاب..كل ماتقدم تجدد.. أما معجم الألوان فيعد السمة الحسية العامة في النص,ويوحي بعض هذه الألوان برموز مختلفة,فنجد: اللون الأسود في: فرخ عبد..كن ظفايرها خدم سود..رموشها السود..العيون السود...ثم ينعطف للون الأبيض : من بياضه في سواده.. الزبادي الزبد...البيض المقشّر..ثم اللون الأصفر:هالة دون المصلي..في سنا نور رقبتها..مصابيح الرواهب..,كما نجد أن اللون الأحمر يسيطر على مساحة الألوان في القصيدة, ويتوشح في بعض المواضع بالرمزية,فنجد:أحمرّ المؤشر...يافع وردها..كن أصابعها العناب..أوبسر عراقي..أو بلح شام..أوقناني خمر..حمران الطواقي. كيف استطاع الشاعر وسط هذا الكم الهائل من التشبيهات الحسية المباشرة,أن يبتعد عن السردية والخطابية؟؟ليرتقي بالقصيدة إلى التصوير البياني والخيال الشعري والرمز الفني,لتحقيق الهدف الذي يسعى إليه والغاية التي يصبو إليها؟؟؟ وللإجابة على هذا السؤال:نقف فقط لنتأمل بعض الأساليب الفنية الجميلة والمعاني الدفينة في جوف التشبيهات المباشرة, والتي ارتقت بالنص عن السطحية فمن ذلك : أولا:الأساليب الإنشائية:فقد نجح في الاعتماد على إثارة التساؤلات التعجيبية,والنداءات الاستغاثية المتلاحقة,خاصة في بعض العبارات الشعبية المستهلكة, مما أبعد القصيدة عن اللغة السردية والتقريرية الخطابية: فمن الاستفهام التعجبي: لا متى والموت حدر رموشهـا السـود يتصيـد؟! لا متى ذبح البشر عند العيـون السـود عـاده؟! ويش يسوى المسك وأبو المسك مع ريحة عرقها؟! ومن النداء الاستغاثي: يا وجودي يالزبـاد الزبـد يالبيـض المقشـر ! مرحبا يا مرحبا يـا مرحبـا بالطـش والـرش ! يا مصابيح الرواهب من بياضـه فـي سـواده! وقبلها: يامنيرة..يامنيرة.. مع إن العبارات المستخدمة في الأبيات السابقة غير شعرية..إلا أن الشاعر أبعدها عن الرتابة بالاستفهام والنداء,والسياق يفرض هذه التساؤلات والنداءات الاستغاثية,فقد رأى فتنة جمال أذهلته, وجعلته تارة يتعجب !!وتارة يتساءل؟؟ وتارة يستغيث !!..في حيرة واضطراب وصفي,يكشف عنها قوله: من بهاها يا منيره ويش أوصف ويـش أخلـي؟؟؟! ثانيا: الصور البيانية:وأبرزها: التشخيصات المجازية والتجسيد الإنساني في: الموت يتصيد...ظفايرها قامت تنتق..ثوبها يتحرش... من وراء بوابة الثوب...نحرها يتهدد... طقوس القصر تعبدها...وكلها تشخص الجمادات والمعنويات,وتبث فيها الحركة والحياة. ومن ذلك الجمل الخيالية المفعمة بالشاعرية,كقوله:جبين الطهر..يانع وردها في روض لبتها تفتق...في سنا نور رقبتها ذابت أكثر من قلادة...تخاف خدودها من لمس يدها... ومن ذلك الكنايات والإشارات الموحية : فرخ عبد طق زيره: إشارة للإبداع الشعري..واهتز في الملعب حلقها:كناية عن إبداعها لفن الرقص..وأخو عقم بمولود مبشر..كناية :عن شدة الفرح برؤيتها ,وصوبها راع الهوى يشعب بعيره..وعقيد القوم يومي به جواده:إشارة إلى شدة الإسراع نحوها,أخلفت وجه المصلي..كناية عن الافتتان بها....مزاج الزنجبيلةإشارة إلى خمرالدنيا,شفاه السلسبيلة,إشارة إلى خمر الآخرة...جمرة في روح تمرة:إشارة لألم الباطن بعد لذة الظاهر. ومن الأمثلة على حسن الإيحاء التصويري,نحلل قوله: وهنا ربط بين رؤية الهلال ورؤية الحجاج,لايعني بها الوصف الشكلي فحسب,بل توظيف للمثل الشعبي الدارج حينما يفقد الإنسان السيطره على جوارحه أو مشاعره أمام شيء يستفزه,فيقولون:فلان جاب العيد..أي جاء بالشيء العظيم أو البالغ الخطورة,والمعنى: أن كل من نظر إليها فإنه لايملك السيطرة على مشاعره,وسيندفع نحوها لامحالة. ومن ذلك قوله:
دوب يانع وردها في روض لبتهـا تفتـق=في سحر منطوقها صرفٍ من الراح المعتق
في المقطع الأول: كناية عن صغر سنها,بتفتق الثماراليانعة التي لم تقطف,كناية عن الشرف,كما قال عمرو بن كلثوم : ونهدا مثل حق العاج رهصا = حصانا من أكف اللامسينا وفي المقطع الثاني:براعة في عكس أدوات الإحساس, فالسحر غير مرئي,ولكنه رآه في حديثها,والحديث ممايدرك بحاسة السمع لكنه أدركه بحاسة الذوق,فهو حديث لذيذ كلذة الخمر الصرفة المعتقة:صرفٍ مـن الـراح المعتـق وهذا مايسمى في النقد الحديث, وفي المدرسة الرمزية بالذات )تراسل الحواس),وهوتبادل المراكز بين الحواس في التعبير عن موصوفات حسية,على اعتبار أن المجال الذي تنطلق منه كل الحواس مجال وجداني عام. ومن هذه الصور أيضا قوله: مـا أنـا إلا أخـو عقـمٍ بمـولـودٍ مبـشـر وهو تشبيه حالة معنوية بحالة حسية في إشارة إلى وصف المشاعر الداخلية التي انتابته حين مرت أمامه, وسنحت له بارقتها,وفيها استحضارلآيات القرآن الكريم.., وهي سيطرة مشاعر الفرح على امرأة الخليل إبراهيم عليه السلام,حين عانت من العقم إلى حد اليأس,فعندما سمعت البشارة في قولهم وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ) لم تسعها الفرحة: ( فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } ,لأنها دخلت على ضيوف زوجها فجأة, ثم تداركت خمارها فصكت وجها,وكلمتهم مباشرة من غير إذن زوجها, فالفرحة أفقدتها السيطرة على نفسها,وكذلك فرحة الشاعر بهذه الفاتنة افقدته السيطرة على نفسه,فقال: مـا أنـا إلا أخـو عقـمٍ بمـولـودٍ مبـشـر من سروري يوم أعانق طيفها فـوق الوسـاده وفي المقطع الثاني نجده يستحضر قصة عرش بلقيس ملكة سبأ, بقوله: فتنةٍ من شافها في جو سابـع عـرش عـرّش ولكن هل كانت بلقيس هي الهنوف الفاتنة التي بنى القصيدة عليها,والتي من أوصافها,قوله: سيـدة سـادات قـومٌ سـادةٌ أبنـاء ســاده والتي وصفها القرآن على لسان هدهد سليمان: (وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ. إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ),فقد كانت تحكم قومها ,فهي سيدة سادات,كما أشار إلى ذلك القرآن بقوله قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ)؟؟!! أم أنه كان يستحضر قوله تعالى:{رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }, وقصةالإسراء والمعراج, والتي كانت إلى السماء السابعة عندما قال: فتنةٍ من شافها في جو سابـع عـرش عـرّش فقد أسري به ليلا إلى عالم جمال هذه الفاتنة التي ذكر ما مرّ به من أوصافها ومحطات توقفه عند جمالها الحسي والروحي,فكانت رحلة طيف في عالم من الخيال والحلم الجميل الذي عانقها فيه,ليجد نفسه في الصباح معانقا لوسادته,فهل كان يقصد صدمة المتلقي, بإخباره أن الفاتنة بأوصافها السابقة ليس لها وجود إلا في أحلامه وطيف خياله, وعالمه الخاص؟؟: من سروري يوم أعانق طيفها فـوق الوسـاده ثالثا:الدلالات الرمزية : نجد الرمزية في هذه القصيدة تراوح بين الرمزية البسيطة والرمزية المركبة,فمن الرمزية البسيطة قوله: يوم حازت من أمامي عمـد وأحمـر المؤشـر مرت هذه الفاتنة من أمام الشاعر,فـ احمرّ المؤشر... وهذا اللفظ على وجه الخصوص يفتح النص لكل التأويلات,فربما يكون المقصد:احمرار مؤشر الحرارة,كما قال الفراعنة نفسه:أن مرورها أدى إلى رفع درجة حرارته,في إشارة إلى إلهاب هذه المرأة الفاتنة لمشاعره المتدفقة ولعاطفته الجياشة , وهذا أبسط المعاني التي قد يحمل عليها الرمز...ولكن تظل هناك رموز أخرى, مثل:مؤشرإشارة المرور, مؤشر الأسهم., مؤشر الليزر,وكل هذه الرموز مفتوحة للتأويل , فمن دلالة الرمز الأول:عندما مرّت هذه الفاتنة أمام الشاعر ذهل وتجبس في مكانه,فلم يستطع الحراك,وتجاوز الخط الأحمر ، أو أن الإشارة ستطلب من الجميع التوقف,لأنه سيمرّ من هنا موكب هذه الفاتنة ,وأيضا :لو رأى هذه الفاتنة أكبر الأغنياء وأثرى الأثرياء لأحمر لأجلها مؤشر البورصة, لأنه سيضطر لبيع كل أسهمه فداء لها.,مما يترتب عليه انهيارالمؤشر,لخروج هذه السيولة الكبيرة من السوق,وهذه دلالة واردة لكنها مستبعدة.. أما مؤشر الليزر,فهو الاحتمال الأقوى والأخطر لتفسير دلالة الرمز..وإخاله مقصد الشاعر,لكنه ضرب عنه صفحا,حتى لايدخله في متاهات الاستقصاء الشامل... ونجد الرمزية البسيطة تتكرر أيضا في قوله:
حجم ناحل خصرها في ردفها لا جيت أحدد=حجم نقطة نون داخل نون ما تقبل زيـاده
وقوله :
بين خصـرٍ إشتراكـيٍ وردفٍ رأسمالـي=ويل ويلي شيب عيني طر جيبي ويل حالي يصف مشهدا متحركا,يصور فيه رقصات الهنوف الفاتنة,فكل ماتحرك خصرها النحيل تداعت له سائر الأعضاء,حتى يخيّل إلى المرء أنه يشاهد دائرة تدور حول محورها,والتي عبّر عنها بحرف النون مقارنة مع نقطة النون,ليس في الحجم فحسب,بل وفي التفاف الردف حول الخصر وحركته الراقصة,وهورمزعميق يستدعيه سياق الأوصاف التي قبله..؟,أما رمزية الاشتراكية والرأسمالية ,فقد وظفها أحسن توظيف,في الإشارة إلى الحرب الباردة بين القطبين المهمين في العالم: الاشتراكية الشرقية الفقيرة الهزيلةالخصر) والرأسمالية الغربية الغنية السمينة: (الردف),فالصراع المحتدم بينهما منذ الحرب العالمية الثانية,والذي تحوّل إلى حرب باردة بفعل الدبلوماسية السياسية,التي تشبه انسيابية حركة الخصر مع الردف أثناء الرقص, وفيها إشارة إلى أن انسيابية رقص هذه الفاتنة فيه نوع من الدبلوماسية ,التي يعرّفها الغرب,بأنها :فن الممكن ,وتعرفها العرب,بأنها شعرة معاوية,ويعرفها دونج بأنها)إجادة الرقص في الغرف المغلقة). ونتيجة لهذه الحرب الباردة,أي:الإغراء الجسدي والفتنة الحسية في الحركات الراقصة,احمرّ مؤشر الحرارة:يوم حازت من أمامي عمـد وأحمـر المؤشـر, وهنا تكمن عبقرية الشاعر في صنع الإبداع من المتضادات,حرب ولكنها باردة,تؤدي إلى حالة عشق,لكنها حارة,فالشاعر يشاهد أمامه حربا بين حزبين فاتنين :الخصر والردف,فيضطرب الفكر ويتشتت الذهن, فتتحول اللغة إلى وصف حالات انفعالية متجاورة متدافعة متزاحمة: ويل ويلي/ شيب عيني/ طر جيبـي /ويـل حالـي ,مماجعله يسقط روابط الجمل,وواوات العطف,ومبررات الوصل بين هذه العبارات,إذ كل عبارة لها معنى خاص,ففتنة الجمال ابتزّت منه كل شيء, فعذّبه:ويل ويلي,وشيّبه:شيب عيني,وأفقره:طر جيبي,وأضاع مستقبله:ويل حالي.وترك للمتلقي أن يفسّر المؤشر بناء على الحالات الأربع السابقة,مؤشر الحرارة,مؤشر العبور,مؤشر الأسهم,مؤشر الليزر(؟؟؟) ومن الرموز الأخرى ذكر الحرب في سياق الجمال؟؟؟! وهوعكس ماسنّه عنترة بن شداد العبسي,في تذكرالحسن والجمال في سياق الحرب,في قوله: ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني .... وبيض الهند تقطر من دمي فوددت تقبيل السـيوف ، لأنها .... لمعت كبارق ثغرك المتبسم لكن الفراعنة يعكس هذا الاتجاه ليذكر لنا الحرب في سياق الجمال,فيقول:
كن عايم صدرها في وقفته قـرمٍ ينـادي=في خضم المعركه هل من مبارز أو معادي من غروره يعتبر كل ما نقوله فيه عادي=يا مصابيح الرواهب من بياضه في سواده حيث جعل صدرها يتحول إلى ساحة معركة,وهنا رمز فني يفتح آفاق النص,لمعرفة الفاتنة التي تتبختر على الأصدقاء, وتتحدى الأعداء,وتعتبر كل مايقال فيها شيئا طبعيا,وهي تحتاج إلى مصابيح تكشف أسرار جمالها الكامنة: يا مصابيح الرواهب من بياضـه فـي سـواده ومصابيح الرواهب هنا ليست تشبيها حسيا,وإنما أتى بها الشاعر,لرسم المعادلة الرمزية:بياضه في سواده في مقابل :جمرة في جوف تمرة,,في مقابل:مزاج الزنجبيلة في شفاه السلسبيلة..في مقابل:حجم نقطة نون داخل نون.في مقابل:قايد حاذاه قايد... هذه أبرز الرموز البسيطة في القصيدة, أما الرموز المركبة,فيمكن إجمالها في ثلاثة رموز: الأول:إسقاط تاريخي من التراث العربي: وهو قصة الفاتنة جليلة,مع زوجها كليب بن ربيعة(وقد كان مضرب المثل في العزة والمنعة),فقال: أورد الساعـي كليـبٌ حتفـه نظـم الجليـلـه والثاني:إسقاط أسطوري من التراث اليهودي:وهوقصة الفاتنة دليلة الفلسطينية مع زوجها شمشون الإسرائيلي(وقد كان مضرب المثل في القوة),فقال: جمـرةٍ فـي روح تمـره ضيعـت أبـو دليلـه والثالث:إسقاط ديني من القرآن الكريم: وهو قصة الفاتنة زليخة مع زوجها عزيز مصر الفرعوني :قوطينار,حينما حاولت خيانته بمراودتها يوسف عليه السلام,الذي ربته في قصرها و(هو مضرب المثل في الحسن والجمال),وقد أشار لها بقوله: مـا كـأن الله مثـل باقـي مخاليقـه خلقهـا فتنةٍ كانـت طقـوس القصـر تعبدهـا عبـاده وفي الأمثاللا أعز من كليب,ولا أقوى من شمشون, ولاأجمل من يوسف) وأراد من وضع هذه الرموز المركبة التأكيد على الفتنة الجمالية لـ:هنوفٍ صوبها راع الهـوى يشعـب بعيـره وسنرجئ فك وتحليل هذه الرموز المركبة إلى خاتمة هذه المقالة النقدية,للنتقل إلى: رابعا: التعليلات الفنية,كقوله:
من ليونتها كأن مالـه ولا عظـمٍ جسدهـا=ومن نعومتها تخاف خدودها من لمس يدهـا ومن كثر ما مشيها جذاب ما تمشي وحدهـا=ومن كثر ما جلدها صخيفٍ تحب اللبس ساده والهدف من هذه الأوصاف المتناهية في المبالغة,إبراز المقدرة الفنية على التعليل الإيهامي أو مايسمّى خداع العقول. يا أبـا سعـد لا فالسبب في خوفها من لمس خدها بيدها,خوفها على تخدّشه,نظرا لحساسيته المفرطة للمس,ممايشير إلى المبالغة في شدة النعومة, التي يؤكدها بقوله: ومن كثر ما جلدها صخيفٍ تحب اللبـس سـاده,,والتعليل الفني,لأن: ناعم ثوبها في جسمهـا الغـض يتحـرّش..في إشارة إلى أن فتنتها لم تقتصر على الكائنات الحية,بل تعدتها إلى الملبوسات,التي اكتسبت الحياة ,بملاصقتها لجسدها الغض المفعم بالنشاط والحركة,بل وأخذت في التمرد عليه وهكذا بقية التعليلات الأخرى,إيجاد أسباب خيالية لممتنعات حسية,وهو من الأساليب القديمة الجميلة,التي جاءت في الشعر القديم,كقول الشاعر: لو لم تصافح رجلها صفحة الثرى ........ماكنت أدري علةً للتيمم!! جعل العلة في جواز التيمم بالتراب,طهارته ,لأن محبوبته قد وطئت برجلها التراب,فاكتسب الطهارة من طهارة رجلها,فأصبح جائزا للتيمم, وعلى هذا النحو حاول أحد الشعراء تعليل الندوب التي ترى ظاهرة للعين في كوكب القمر,فقال: وأهوى الذي أهوى له البدر ساجدا............ألست ترى في وجهه أثر الترب؟! فهذه الندوب التي تراها في قمر السماء هي نتيجة سجوده لقمر الأرض(محبوبته),وذلك أن جبهة القمر أثناء سجودها على الأرض انطبعت عليها ندوب الحصى والرمل. وهذا البيت ومثله يدخل فيما يسمّى بالفلسفة الشعرية المرتبطة بالتعليل والتي أثنى عليها الشاعرالقديم بقوله: أنت عندي فيلسوف.... ف ,وبصير بالعلل ويعد هذا التعليل من التناهي في الوصف والغلو في المبالغة.وهي سمة الشاعر في استقصاء العناصر,ومن هذا الاستقصاء نجد قوله: كل غضٍ فـي نحرهـا شايـفٍ نفسـه معالـي يقصد:كل نهد غض,ولكنه استعاض بالصفة عن ذكرالموصوف,ليدل على تشبعه بهذه الصفة , وتمكنها منه,لدرجة أننا نسينا اسمه الحقيقي,فلم يبق إلا صفتهالليونة),وهي على عادة الشعراء الجاهليين في الاكتفاء بالوصف عن ذكر العضو. وفي قوله:كل غض في نحرها,كسر للرتيب السائد المألوف, فالنهد في الصدر وليس في النحر,وهنا تتجلّى الشاعرية والرمزية,أما الشاعرية ففي المبالغة,حيث أشار بهذه العبارة إلى ارتفاع النهدين وبروزهما عن محيط الصدر,وكأنهما يتنافسان إلى الرفعة: كل غض...,والرمزية:في : شايـفٍ نفسـه معالـي إشارة إلى استحالة أن يكون هذا وصفا لأنثى حقيقية. خامسا: الموسيقى الشعرية: وتتمثل في الوزن العام ,وهو بحر الرمل:فاعلاتن الرباعي..بحر يفيض بالمعاني المتدفقة والأوصاف المتلاحقة,مما يناسب غرض القصيدة الوصفي.. أما الموسيقى الداخلية, فتتمثل في الموسيقى الحرفية كتكرار حرف السين في قوله: سيدة سادات قوم سادة أبناء سادة...وتكرار حرف القاف من مثل:.باقي مخاليقه خلقها... كماتتمثل في بعض الكلمات المتجانسة,مثل:سابع عرش عرّش./الطش والرش./.الحر الحرير /والغرو الغرير/من ليونتها..ومن نعومتها.. كذلك نجد هناك بعض المقابلات المتضادة وغير المتضادة,والتي يشع منها نوع من التقطيعات الموسيقية,كقوله:ويش أوصف؟ويش أخلي/من بياضه في سواده/ من مزاج الزنجبيلة في شفاه السلسبيلة/جمرة في روح تمرة/قايد حاذاه قايد,وأيضا: ويل ويلي/ شيب عيني/ طر جيبـي /ويـل حالـي مماينسجم مع الأداء الراقص,لهذه الفاتنة. وختاما: نعود لربط الرموز بسياقها القصصي:أما رمز كليب وجليلة ,ففيه استحضار لتأثيرالجمال الفتان وكيد النساء في إشعال الحروب,فجليلة ـ كماجاء في القصص الشعبية الإسطورية ـ أرادت خالتها(البسوس) تزويجها من التبع اليماني بعد أن وصفت له حسن جمالها, ولكن بحيلة قام بها كل كليب بن ربيعة وأخوه المهلهل الزير سالم, تمت تصفية الـتبّع اليماني,وتزوج كليب جليلة على كره منها,ويقال أنها سعت للإيقاع بينه وبين أخيه الزير سالم,ولكنها فشلت في كل محاولاتها, ومع ذلك كانت تجد السماح من كليب, لأنها فتنته بجمالها الآخاذ ,مما اضطرها للتخلص منه,فدبرت مكيدة الناقة التي عقرها كليب ,ونظمت أبياتا تستثير فيها جساسا على قتل كليب ,وأرسلتها لخالتها البسوس صاحبة الناقة, وهذه الأبيات هي المقصودة بقوله: أورد الساعـي كليـبٌ حتفـه نظـم الجليـلـه فلما كان الليل أنشدت البسوس أبيات الجليلة, تخاطب فيها سعدا أخا جساس ,وترفع صوتها لتسمع جساسا,بقولها::
تغـرر بنفسـك وارتحـل = فإنـي فــي قـوم عــن الـجار أمــواتِ ودونــــك أذوادي إليـك فــإنــني= مـــحـاذرة أن يـــغـدروا بـبـنـيـاتــي لعمـرك لـو أصبـحت في دار منـقـذ =لمـا ضـــم سـعـد وهو جــار لأبيـاتـي فلما سمعها جساس قال لها: اسكتي لا تراعي: إني سأقتل جملاً أعظم من هذه الناقة، سأقتل غلالاً , وهو فحل إبل كليب لم ير في زمانه مثله، وإنما أراد جساس بمقالته:قتل كليب, وكان كليب يلقب بالساعي,لسعيه للمعالي, ولذا حاول الفراعنة إسقاط الرمز: أورد الساعـي كليـبٌ حتفـه نظـم الجليـلـه ليشير إلى أن فاتنته التي يصفها أعظم من فتنة الجليلة. أما رمز أبودليلة,ففيه إسقاط للخرافة الإسرائيلية التي تقول:أن بني اسرائيل حينما عصوا موسى عليه السلام,بعد أن نجاهم الله من فرعون,مكثوا في الصحراء أربعين سنةتائهين,وسامهم الفلسطينيون سوء العذاب ,وفي تلك الفترة عاش رجل من قبيلة(دان) من بني إسرائيل,يدعى(منوح),وكانت امرأته عاقرا لاتلد,وكانت تبتهل لله بأن يرزقها الولد الصالح,فنزلت عليها البشرى بأنها ستلد ولدا,يضرب به المثل في القوة, وسر قوته في شعره,وسيخلص بني إسرائيل من الفلسطينين,واشترط عليها البشير:ألا تشرب الخمر ولاتأكل العنب,ففعلت,وأتت بولد اسمته (شمشون),فكبر وتعلق بحب فتاة فلسطينية,تدعى (دليلة)كانت سببا في محاربته للفلسطينين,فقد خانته حين افشت لغزا تحدى به قومها,فهجرها مدة,ثم اشتاق إليها,فأخبره أبوها(أبو دليلة)أنه زوجها لرجل من أصدقائه, ولخوفه من شمشون عرض عليه أختها الصغرى,لكنه رفض,وأصر على الانتقام من جميع قومها , وبفعل قوته الخارقة أحرق مزارعهم وقتل أسيادهم, مما اضطر الفلسطينيون إلى مهادنته,فقرروا الانتقام ممن سبب لهم هذا الخراب,وهو(أبودليلة) فأحرقوه بالنار,لكنه لم يهدأ حتى أعادوا له دليلة,ومن خلالها حاولوا أن يعرفوا سر قوته الخارقة,فظلت دليلة تلاطفه ليالي طويلة,حتى أنس بها ,وأفشى لها السر,وهوطول شعر رأسه,فأخبرت قومها, وخادعته ليلا حتى نام في أحضانها,ثم ذرّت سائل النار على شعره, وأضرمت فيه الشرار,حتى اشتعل رأسه نارا, وفقد قوته,فقيدّه الفلسطينيون,وسجنوه وأهانوه,ثم مالبث شعره أن عاد للنمو,فأبادهم جميعا..... فدلالة الرمزشيئان,إما أن يكون أبوها الحقيقي الذي أحرقه قومه, وهو المراد بقوله: جمـرةٍ فـي روح تمـره ضيعـت أبـو دليلـه..(لذة الظاهر مع عذاب الباطن:جمرة في روح تمرة) وإما يكون المراد :أن فتنة الهنوف للشاعر,كفتنة جمال دليلة, فبالرغم من كل مافعلته إلا أنه متيم بها, أما الرمز الثالث,في قوله: مـا كـأن الله مثـل باقـي مخاليقـه خلقهـا ,فيستبعد فيها أن تكون هذه الهنوف الفاتنة من البشر المعبر عنهم بالمخاليق,وذلك لجمالها المنقطع النظير,كما قلن نسوة مصر لما خرج عليهن يوسف عليه السلام : (حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ),والذي رشّح الرمز لاستقبال هذا المعنى,قوله: فتنةٍ كانـت طقـوس القصـر تعبدهـا عبـاده, فالقصر الفرعوني بكل مافيه كان مفتتنا بالجمال الأخاذ ليوسف عليه السلام: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ), (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ..) وقول العزيزارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ). والمعادل الفني لهذا الرمز, فتنة الجمال في طقوس القصر بين: فرعون مصر,وفرعون الشعر. وبعد هذه الرموز يمكن أن نثير التساءل الآتي: من هذه الهنوف الفاتنة التي احتفى الشاعر بها ,وحشد لها كل طاقاته التعبيرية, وصوره الخيالية, وثقافته الموسوعية, وجيّش لها كل الأوصاف الحسية والمعنوية,وأسقط عليها الرموز الدينية والتاريخية والأسطورية والخرافية,من تكون؟؟؟ هل هي فتاة مخلوقة من نار: جمرة في روح تمرة.. هالة دون المصلي أخلفت وجه المصلي..تمشي وحدها..ماله ولاعظم جسدها..من كثرماجلدها صخيف تحب اللبس سادة.. في سنا نور رقبتها ذابت أكثر من قلادة.. من سلالة ملوك الجان؟ سيدة سادات قوم سادة أبناء سادة.. أو هل هي( إيراتو) ربة الشعر عند قدماء اليونان جاءت لتلهم الشاعر هذا الإبداع ؟!والتي: في جبين الطهر منها بدر سبتين متجلي..كن ترايبها صحاف الترك....فتنة من شافها في جو سابع عرش عرّش.. ماكأن الله مثل باقي مخاليقه خلقها..؟؟ أم هي هذه القصيدة التي بين أيدينا, والتي: في محاجرها عقيد القوم يومي به جواده..والجواد رمز للخيال الجامح,والفارس رمز للشاعر الطامح إلى تحقيق هدفه في المسابقة,والهنوف هي قصيدته التي اعتنى بوصفها, وشخّصها في هيئة فاتنة حسناء, في سحر منطوقها.... وإبداعها في كواليس قصر الحصن: فتنةٍ كانـت طقـوس القصـر تعبدهـا عبـاده..وهي التي تلاشت معها بقية القصائد المنافسة,لما شاع عند العرب من تسمية القصائد الراقية بالمعلقات,تشبيها لهابالقلائد الذهبية على صدور الحسان,يدل على ذلك قوله :في سنا نور رقبتها ذابت أكثر من قلادة..وأشار إلى أن النفس الشعري عنده طويل لاينقطع إبداعه,ولذلك فقصيدته:كل ماتكبر تزين وكل ماتقدم تجدد..,ويظهر التحدي في قوله عنها:كن نحرها من وراء بوابة الثوب يتهدد..ولك أن تسقط الثوب وتضع مكانه لفظ الحصن أو القصر..لترى أنه يقصد التحدي,ولك أن تحمل اللفظ على معناه القريب,فتتبدى أمامك صورة الشاعر وهو يستعد لفك إزاره لإنشاد القصيدة أمام الجمهور,ويتضح المعنى بجلاء في هذه الأبيات:
كن عايم صدرها في وقفته قـرمٍ ينـادي=في خضم المعركه هل من مبارز أو معادي من غروره يعتبر كل ما نقوله فيه عادي=يا مصابيح الرواهب من بياضه في سواده وهنا يتحول صدر القصيدة,يقصد به المعنى المكنون فيه إلى بطل ,وهوالمشار إليه بـ(قرم ينادي),أي يتحدى في صميم المسابقة,وهي المشار إليها بقولهفي خضم المعركة) ساحة مفتوحة للتحدي,فهل هناك من يستطيع من منافسيه أن يباربه أو تجاري قصائدهم قصيدته؟:وهوالمعنى المشارإليه بـ(هل من مبارز)؟أم هل من منتقد,وهو المعنى المشار إليه بـقولهأومعادي)؟والسبب في هذا التحدي الثقة بالنفس,في قولهمن غروره يعتبر كل مانقوله فيه عادي), وأشار بقولهيامصابيح الرواهب) إلى آراء لجنة التحكيم,إذ من عادة الرهبان وقسيسي الكنائس إصدار صكوك الإجازة لدخول الجنة,في إشارة إلى أهمية حكمهم النقدي,الذي قد يزاوج بين القبول والرفض,أوالمتفاوت في النظر للنص,وهو المشار إليه بقوله (من بياضه في سواده),فثقافة الناقد هي التي تضيء النص, وتكتشف أسراره الغامضة,مثلها مثل المصابيح المنيرة:يامنيرة.. يامنيرة.. وتجد نبرة التحدي تتكرر أيضا في قوله:قايد حاذاه قايدريم,وأنساه القيادة..والمعنى الرمزي فيه واضح. وتكاد خاتمة القصيدة أن تشيء بمعناها حين قال:
ويش يسوى المسك وأبو المسك مع ريحة عرقها=يوم ذبت شالهـا وأهتـز فـي الملعـب حلقهـا مـا كـأن الله مثـل باقـي مخاليقـه خلقـهـا=فتنةٍ كانـت طقـوس القصـر تعبدهـا عبـاده رسم تصويري تجسيدي لفتنة قصيدته في قصر الحصن الذي تقام في أروقته طقوس مسابقة شاعر المليون...
وبعد, فيمكن القول :إن هذه القصيدة أرضت معظم الأذواق,وقدمت معظم النظريات الفنية,كنظرية :المحاكاة,ونظرية الانعكاس, والنظرية البرناسية,والمغامرة اللغوية,وذلك للآتي: ـ في نظريةالمحاكاة :القصيدة قدمت تصويرا محاكيا للنموذج المثالي الذي لاوجود له إلا في عالمه الشعري الخاص بقاموس الشاعر وخياله الخصب. ـ وفي نظرية الانعكاس: القصيدة قدمت موازاة رمزية جمالية للواقع,لم تكتفِ بالوقوف على سطحه,وإنما نفذت إلى جوهره, وعكست حقيقته,ورصدت حركته الداخلية,فعبّرت عن تجربة موضوعية. ـ وفي نظرية الفن للفن أو ماتعرف بالمدرسة البرناسية:فالقصيدة تقدم متعة فنية تنطلق من ذاتها وتنكفئ عليها وتنتهي إليها,في تشكيل جمالي, وبنية مغلقة لها قوانينها الخاصة. _وهذه القصيدة مغامرة لغوية,تكتسب فيها اللفظة إشارة عائمة,لتترك المتلقي يمنحها دلالتها على النحو الذي يراه...؟ وختاما: يقول كوليردج: (النص العظيم هو الذي يبقى مفتوحا لكل التأويلات).
|
||
|
05-04-2008, 01:09 AM | #2 | |||
|
رد: شرح قصيدة دثريني يا منيرة زمليني يا منيرة للدكتور ناصر السعيدي الهذلي
|
|||
|
05-04-2008, 03:16 PM | #3 | ||||
|
رد: شرح قصيدة دثريني يا منيرة زمليني يا منيرة للدكتور ناصر السعيدي الهذلي
اقتباس:
|
||||
|
05-04-2008, 03:32 PM | #4 | ||
|
رد: شرح قصيدة دثريني يا منيرة زمليني يا منيرة للدكتور ناصر السعيدي الهذلي
تسلم يا رائد على النقل المميز والجميل
|
||
|
05-04-2008, 03:37 PM | #5 | |||
|
رد: شرح قصيدة دثريني يا منيرة زمليني يا منيرة للدكتور ناصر السعيدي الهذلي
اقتباس:
|
|||
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
إعلانات نصية |
منتديات صحيفة وادي الدواسر الالكترونية | |||