لكل قائد أتباع، ويشكل الأتباع المخلصون الوجه المكمل للقائد. إذ من دونهم لا يستطيع القائد تنفيذ مخططاته وتحقيق الأهداف المستقبلية. ويسبق وجود القائد وجود الأتباع في العادة، بل هو يصنعهم. فالقائد هو الذي يشكل الأتباع، وإن كان يراعي ظروفهم والقيم والمبادئ التي يحملونها ويرفعهم برفق إلى مستواه أو مستوى المهمة.
يميل الناس إلى ربط النجاح والفشل بشخص القائد، لأن ذلك أسهل من ربطهم بمجموعة معقدة من الظروف والأحداث. وعلى الذي يرغب في قيادة الناس أن يراعي هذه النظرة ويفهم انطباعاتهم ويتصرف واضعاً في حساباته توقعات الناس والأتباع. ومما يدل على وجوب ذلك قصة شكوى أهل الكوفة من سعد بن أبي الوقاص. إذ شكا أهل الكوفة سعداً لعمر بن الخطاب، رضي الله عنهما. فأرسل عمر إلى سعد، فأتاه ولم يكتف عمر بالاستماع إلى رد سعد، رغم قناعته الشخصية به، إنه أمام شكوى من الناس وما يلزم هو إقناع الناس. أرسل عمر لجنة لتقصي الحقائق. ولم تذهب هذه اللجنة إلى مقابلة أعيان البلد وأثريائها بل وقفت تراقب وتتقصى الحقائق في المساجد والأسواق. من هنا نستنتج أن القائد الذي لا يراعي انطباعات الناس وطريقة تفكيرهم ستكون قدرته على إحداث التغييرات المطلوبة في المنظمة ضعيفة، إن لم يفقد قيادته أصلاً.
يكون لكل إنسان تصوره الخاص عن القيادة وشخصية القائد، بل يتخيل حتى شكل القائد وتصرفاته وطريقة حياته. وتشير الدراسات إلى أن الناس يعتمدون على هذه التصورات في تحديد مدى نجاح المنظمة أو تكوين انطباعهم الأولي حول مدى فرصة نجاح شخص ما في قيادتهم. ولذلك نجد أن الكثيرين يحكمون على أداء قائدهم بناءً على تصرفاته وشكله وكلامه وحركاته بدلاً من الحكم عليه بناءً على قدرته على التخطيط وتحقيقه للأهداف التي يرسمها لأتباعه. وفي هذا التصرف خطأ كبير، فقد يحب الناس قائداً لم يحقق لهم شيئاً لمجرد أنه جميل المنظر حلو اللسان. وقد ينفر الناس من قائد فذ حقق الكثير الكثير من الإنجازات المثبتة لمجرد أنه لم يكن طويلاً أو حسن المظهر.
لماذا يتصرف الناس بهذه الطريقة؟ أحد الأسباب هو الاستعجال في الحكم. فالإنسان بطبعه غير صبور، ونتائج المخططات والأهداف المستقبلية التي يضعها القادة لا تتجسد على أرض الواقع إلا بعد مضي وقت طويل. وبالتالي يلجأ الناس إلى الانطباعات لتكوين حكم سريع على القائد وفعاليته. فإذا اتفقت حقيقة القائد مع الصورة التي في أذهانهم يعطونه الثقة ويتبعونه راضين. ورغم ما قد نظن من خطأ هذه النظرة إلا أنها طبيعة بشرية لا نستطيع تغييرها. لذا فالإسلام يراعي مثل هذه النظرة، ولذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدون من بعده يختارون السفراء من بين الصحابة أصحاب الشكل الجميل والمظهر الحسن. ومن ذلك إرسال النبي صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي إلى هرقل.
وفي النهاية نقول إن التاريخ أثبت أن أشخاصاً ليسوا بهذه المواصفات كانوا من القادة الأفذاذ كأبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ونابليون وغيرهم.
د. طارق محمد السويدان