الصائم أفضل صحة وأطول عمرًا ..
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سافروا تربحوا وصوموا تصحوا، واغزوا تغنموا ) [ رواه الإمام أحمد، ورواه السيوطي مقتصراً على لفظ: صوموا تصحوا ].والصوم أولاً وأخيراً فرض من فروض الإسلام، وطاعة مجردة لله تعالى، بغض النظر عن فوائده الصحية أو النفسية، ولكن لا مانع من الإشارة إلى بعض الفوائد ولعل هذا يدخل في باب قوله تعالى:{ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } [ فصلت:53 ].ونود أن نشير هنا إلى أن الصوم أمر زاوله البشر منذ فجر التاريخ، ولقد ورد في أوراق البردي وفي النقش الذي تركه المصريون القدماء، ما يدل على أنهم زاولوا الصوم، بل إن الهنود والبوذيين، في عباداتهم تعاليم تحضهم على الصوم. وفي القرن الخامس قبل الميلاد، قام أبوقراط بتدوين طرق الصيام وأهميته العلاجية.وفي عهد البطالسة كان أطباء الإسكندرية ينصحون مرضاهم بالصوم تعجيلاً للشفاء.
ظاهرة حيوية فطرية:
ولقد لاحظ العلماء أن الصوم ظاهرة حيوية فطرية تحدث لكثير من الكائنات، وأنها ضرورية لاستمرار الحياة السوية والصحة الكاملة لهذه الكائنات، كما لاحظوا أيضاً أنها تخرج من فترة الصيام هذه وهي أكثر حيوية ونشاطاً. والمثل على ذلك مرحلة التشرنق في حياة الحشرات، كذلك فإن الكثير من الحيوانات تصوم، وتبقى أياماً وربما شهوراً في جحورها، ممتنعة عن الطعام والحركة، مثل بعض الطيور والأسماك والضفادع والحشرات.وتقول دائرة المعارف البريطانية: "إن أكثر الأديان قد فرضت الصيام وأوجبته، فهو يلازم النفوس حتى في غير أوقات الشعائر الدينية، ويقوم به بعض الأفراد استجابة للطبيعة البشرية".وأكد البروفسور نيكولايف بيلوي من موسكو في كتابه "الجوع من أجل الصحة" سنة 1976م أن على كل إنسان وخاصة سكان المدن الكبرى أن يمارس الصوم بالامتناع عن الطعام لمدة 3 - 4 أسابيع كل سنة كي يتمتع بالصحة الكاملة طيلة حياته.وفي القرن العشرين ظهر عدد من الكتب الطبية في أمريكا وأوروبا يتحدث عن فوائد الصوم الطبي مثل كتاب "التداوي بالصوم" لشلتون، وكتاب "الصوم الطبي، النظام الغذائي الأمثل" لألان كوت، و"الصوم إكسير الحياة"، لهنرك تانر.
تجديد وحيوية:
وبين ألن سوري فائدة الصوم في تجديد حيوية الجسم ونشاطه، وأورد حالات كثيرة من المسنين الذين تجاوزت أعمارهم السبعين، استطاعوا بفضل الصوم استرجاع نشاطهم وحيوية أجسامهم وتحسنت حالتهم النفسية.. ويقول أحد علماء الصحة الأمريكيين : إن كل إنسان سليم يحتاج إلى الصوم ؛ لأن سموم الأغذية تجتمع بالجسم وتجعله كالمريض فتثقله وتقلل نشاطه، فإذا صام خف وزنه وتحللت هذه السموم من جسمه، وذهب عنه حتى يصفو صفاءً تاماً وتجدد خلاياه في مدة لا تزيد على 20 يوماً بعد الإفطار، لكنه يحسن بنشاط وقوة لا عهد له بهما من قبل.ويذكر الباحثون أن تخزين المواد الضرورية في البدن من فيتامينات وحوامض أمينية يجب ألا يستمر زمناً طويلاً، فهي مواد تفقد حيويتها مع طول التخزين، لذا يجب إخراجها من "المخزن" واستخدامها بواسطة الجسم، وإن أحسن وسيلة لذلك هي الصوم.علاج للضغط وأمراض أخرى: ويقول الدكتور حسان شمسي باشا: الصوم مفيد في علاج ارتفاع ضغط الدم، فإنقاص الوزن الذي يرافقه الصيام يخفض ضغط الدم بصورة ملحوظة، كما أن الرياضة البدنية من صلاة التراويح والتهجد وغيرها تفيد في خفض ضغط الدم المرتفع.كما أن للصوم فائدة عظيمة لكثير من مرضى القلب، وذلك لأن 10% من كمية الدم التي يدفع بها القلب إلى الجسم تذهب إلى الجهاز الهضمي أثناء عملية الهضم، وتنخفض هذه الكمية أثناء الصوم حيث لا توجد عملية هضم أثناء النهار، وهذا يعني جهداً أقل وراحة أكثر لعضلة القلب.ويقول ألكسيس كاريل الحائز على جائزة نوبل في الطب في كتابه: "الإنسان ذلك المجهول": "إن كثرة وجبات الطعام ووفرتها تعطل وظيفة أدت دوراً عظيماً في بقاء الأجناس الحيوانية وهي وظيفة التكيف على قلة الطعام، ولذلك كان الناس يصومون على مر العصور، وإن الأديان كافة لا تفتأ تدعو الناس إلى وجوب الصيام والحرمان من الطعام لفترات محدودة، إذ يحدث أول الأمر شعور بالجوع ويحدث أحياناً تهيج عصبي ثم يعقب ذلك شعور بالضعف، بيد أنه تحدث بعد ذلك ظواهر خفية أهم بكثير، فإن سكر الدم يتحرك ويتحرك معه أيضاً الدهن المخزون تحت الجلد، وتضحي جميع الأعضاء بمادتها الخاصة من أجل الإبقاء على كمال الوسط الداخلي وسلامة القلب".
وسيلة للتداوي:
ولقد استخدم الصوم كوسيلة للتداوي من الأمراض العديدة من أقدم العصور، ونذكر على سبيل المثال: أن الأطباء اليونانيين لجأوا إلى الصوم لمعالجة مرضاهم الذين استعصى مرضهم على العلاج بالوسائل العادية.وفي القرن الخامس عشر قام لودفيفو كورنا، باستخدام الصوم في معالجة العديد من الأمراض المستعصية، وجرب ذلك على نفسه شخصيًّا، وعاش حوالي مائة عام بصحة جيدة، بعد أن كان يعاني من داء عضال وألّف رسالة في المعالجة بالصوم تحت شعار "من يأكل قليلاً يعمّر طويلاً".كتب الطبيب السويسري بارسيلوس في بداية عهد النهضة قائلاً: إن فائدة الصوم في العلاج تفوق مرات ومرات استخدام الأدوية المختلفة".وفي عام 1941م، صدر كتاب بوخنجر "المعالجة بالصوم كطريقة بيولوجية" شرح فيه كيفية استخدام الصوم لمعالجة كثير من الأمراض المستعصية، وبين أن الجوع يغير من تركيب البنية العضوية للجسم ويؤدي إلى طرح السموم منه.
علاج للبدانة :
ويرى فيدوتوف أن الصوم علاج جيد للبدانة وأن البدين يمكنه أن يتحمل الجوع بشكل جيد، ويوصي بالصوم لمدة 5 - 15 يوماً تعقبها فترات استراحة يتناول فيها المريض وجبات خفيفة.ولا عجب أن نرى الآن كثيراً من المراكز والمعاهد الطبية التي تعتمد فقط على الصوم كوسيلة ناجعة في التداوي.ورغم وجود العديد من آراء الأطباء العرب والمسلمين في هذا المجال إلا أننا استشهدنا بآراء الغرب حتى يكون الشاهد من أهله"، والفضل ما شهدت به الأعداء.كل ما سبق ذكره ليس لإثبات أننا على دين الحق أو لنشجع أنفسنا على الصوم، فنحن المسلمين يجب أن نصوم امتثالاً لأوامر الله تعالى، كما أشرنا، حتى ولو لم نعرف حكمة الصوم أو فوائده، { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا } [ الأحزاب : 36 ].وإنما سقنا هذه الأدلة لبيان بعض جوانب حكمة التشريع وفوائد اتباع أوامر الخالق، فهي برغم ما تحوي من أحكام للامتثال والعبادة، إنما جاءت في نفس الوقت لفائدة الإنسان المكلف بها.
وصايا عن الصوم وفوائده:
وأخيراً نسوق بعض الوصايا حول الصوم: فمن وصايا لقمان لابنه قوله : "يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة".ويقول الإمام الغزالي رحمه الله: "الصيام زكاة النفس ورياضة الجسم، فهو للإنسان وقاية، وللجماعة صيانة، وفي جوع الجسم صفاء القلب وإنفاذ البصيرة، لأن الشبع يورث البلادة ويعمي القلب ويكثر الشجار فيتبلد الذهن، أحيوا قلوبكم بقلة الضحك وقلة الشبع وطهروها بالجوع تصفو وترق".ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي: "الصوم حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع، ولكل فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة، يستثير الشفقة ويحض على الصدقة، ويكسر الكبر، ويعلم الصبر، ويسن خلال البر، إذ جاع من ألف الشبع، وحرم المترف أسباب المتع، عرف الحرمان كيف يقع، والجوع كيف ألمه إذا لذع"