فضل صيام رمضان ومنهاج الصائمين
[line]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:-
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبشر أصحابه بمجيء شهر رمضان ويخبرهم عليه الصلاة والسلام أنه شهر تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق فيه أبواب جهنم، وتُغَلُّ فيه الشياطين، ويقول صلى الله عليه وسلم "إذا كانت أول ليلة من رمضان فُتحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها باب، وَغُلِّقتْ أبواب جهنم فلم يفتح منها باب، وصُفِّدت الشياطين، ويُنادي منادٍ يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة ويقول عليه الصلاة والسلام "جاءكم شهر رمضان، شهر بركة يغشاكم الله فيه فيُنزل الرحمة ويُحط الخطايا ويستجيب الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً فإن الشقي من حُرم فيه رحمة الله" ويقول عليه الصلاة والسلام "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" ويقول عليه الصلاة والسلام، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي "كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك". والأحاديث في فضل صيام رمضان كثيرة، والله سبحانه وتعالى جعل عمل ابن آدم كله له إلا الصوم فهو لله جل وعلا، والله عز وجل هو الذي يجزي به وهذا يدل على فضل هذا الشهر الكريم وزيادة الأجر فيه، فينبغي للمؤمن أن يتوب إلى الله من ذنوبه وأن ينتهز هذه الفرصة وهي ما مَنَّ الله به عليه من إدراك شهر رمضان، فيسارع إلى الطاعات، ويحذر السيئات ويجتهد في أداء ما افترض الله عليه ولا سيَّما الصلوات الخمس فإنها عمود الإسلام وهي أعظم الفرائض بعد الشهادتين ولا يتركها إلا كافر خارج عن ملة الإسلام على القول الراجح من أقوال العلماء لحديث النبي صلى الله عليه وسلم "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" وللحديث الآخر "بين الإيمان والكفر والشرك ترك الصلاة "، فمن صام رمضان وهو تارك للصلاة فليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، فلا يقبل الله منه صيام ولا زكاة ولا عمل فقد صَحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" فيجب على المؤمن أن يحافظ على الصلاة وأن يكون من عباد الله الصالحين وليس من عُبَّاد رمضان، فيجب على من لا يصلي أن يرجع إلى الله ويتوب إليه ويحافظ عليها في رمضان وغيره وإلا كان كافراً مرتداً عن الإسلام، وفي هذه الحالة يُستتاب فإن تاب وإلا قُتِلَ مرتداً والعياذ بالله، ومن مات وهو تاركاً للصلاة فإنه لا يجوز الصلاة عليه ولا الترحم عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين ولا يورث، ولا يرث إن مات أحد أقاربه ولا تُأكل ذبيحته وينطبق عليه كل ما ينطبق على الكفار، فيجوز أكل ذبيحة أهل الكتاب ولا يجوز أكل ذبيحة تارك الصلاة، كما ينبغي على المسلم أن ينتبه أيضاً إلى موضوع الزكاة، فإن غالب الناس يجعل زكاته في رمضان، وهي واجبة متى بلغت النصاب وحال عليها الحول وليس فقط في رمضان، والزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة، التي يجب على المسلم المحافظة عليها فهي تعمل على تثبيت أواصر المودة بين الغني والفقير لأن النفس مجبولة على حب من أحسن إليها، وهي تُطَهِّر النفس وتزكيها وتبعدها عن الشح والبخل وتُعَوِّد النفس على الجود والكرم والعطف على المحتاجين، وقال الله تعالى فيمن قصَّر بها ولم يخرجها "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" (التوبة:34).
أما حكم الصيام، فهو واجب بالكتاب والسنة والإجماع، ويلزم الصوم لكل مسلم مكلف قادر مقيم، ونفهم من كلمة مسلم أي أن الكافر لا يصح منه ولا يلزمه إلا إذا دخل بالإسلام، فتارك الصلاة مثلاً يجب عليه أن يتوب إلى الله ويُقيم الصلاة وتكون توبته توبةً نصوحاً حتى يقبل الله صيامه ويقبل أعماله، وأما بالنسبة للحائض والنفساء فلا يلزمهما الصوم ولا يصح منهما ويلزمهما قضاؤه، والحائض والنُّفَساء إذا رأوا الطهر قبل الفجر لزمهما الصيام ولا حرج في أن يكون الغسل بعد طلوع الفجر إلا أنه يجب أن يكون قبل طلوع الشمس لكي تُدرِك الصلاة قبل خروج وقتها، وكذلك الجنب ليس له تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الشمس، أما النية للصيام وهذا الأمر يقع فيه كثير من العامة الذين يجهلون تعاليم دينهم مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول "فرض على كل مسلم ومسلمة التفقه في الدين" فكثير من العامة يتلفظون بالنية كأن يقول نويت أن أصوم غداً أو غيرها من الألفاظ، والنية محلها القلب ولا محل للسان والجوارح فيها، ومن تلفظ بها كان مبتدعاً في دين الله ما ليس منه، فالتلفظ بالنية بدعة حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ويصوم ويزكي ويتوضأ ويعمل ما يعمل من العبادات ولا يتلفظ بالنية لأن الله مُطَّلع على القلوب ويعلم ما في نفس العبد، ولكن يجب أن يُبَيّت الإنسان نية الصيام قبل الفجر ولكن بالقلب دون التلفظ بها لحديث النبي صلى الله عليه وسلم "من لم يٌبَيِّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له" فتكون النية بأن يعزم بالقلب على الصيام.
ومن الأمور التي يجهلها العامة أنه من أفطر لكبره أو مَرَضْ لا يُرجى برؤه يطعم عن كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليه، ومن أفطر لمرض يرجى برؤه أو سفر فعليه القضاء.
ومن الأمور التي تبطل الصوم الأكل والشرب عمداً فإن كان ناسياً فلا يبطل صومه ولا إثم عليه وكذلك إن كان مكرهاً لا يَفْسد صومه ولا إثم عليه، ويُبطل الصوم ما يدخل عن طريق الأنف لأنه يصل إلى المعدة، فقطرة الأنف تُبطل الصيام وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً"، وكذلك يُفسد الصيام الحقن التي تؤخذ للتغذية، أما الحقن الأخرى فلا تبطل الصيام، وتَعَمُّد القيء يبطل الصيام، وأما قطرة العين والكحل وغيرها مما يوضع في العين فلا يُفسد الصوم وذلك لأن العين ليست منفذاً للمعدة وكذلك قطرة الأذن لا تبطل الصيام وكذلك الكمَّام الذي يستخدمه مريض الربو لا يُفسد الصوم، وكذلك إذا مرَّ في مكان فيه بخوراً أو دخان أو غبار أو غيره مما له جُرم يصل إلى المعدة إن لم يتعمَّد ذلك لا يفسد صومه ولكن عليه أن يجاهد نفسه على عدم استنشاقها، وذلك أن من الأمور المفطرة أيضاً البخور والغبار إذا تعمَّد استنشاقها، ومن الأمور التي لا تبطل الصيام أيضاً معجون الأسنان إلا أن الإنسان يتحرَّص لكي لا يبلعه، أما طعم المعجون بالحلق فلا يُفسد الصوم وكذلك الحناء لا تفطر، وكذلك يجوز استعمال العطور والطيب في نهار رمضان إلا للمرأة التي تريد الخروج فليس لها مس الطيب سواء في رمضان أو غيره وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم "أيما امرأة استعطرت فمرَّت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية" أما إن استعطرت في بيتها فلا حرج في ذلك وإن خرجت وهي متعطرة تأثم ولكن صومها صحيح لا يفسد. والاحتلام وخروج القيء -إن لم يتعمد ذلك- وخروج الدم لا يُفسدون الصوم فإذا قام أحد الناس بعمل تحليل دم مثلاً في نهار رمضان فصومه صحيح وأما الدم المفسد للصوم هو دم الحيض والنفاس. وكذلك التقبيل بين الزوج وزوجته لا يفسد الصوم إلا أن تركه أولى لكي لا يحدث فيه إنزال.
أما من جامع امرأته في شهر رمضان فإن كان ليلا فيما بين غروب الشمس وطلوع الفجر فلا بأس بذلك، وإن كان جماعه نهاراً فيما بين طلوع الفجر وغروب الشمس وهو صائم مكلف به فهو آثم عاص لله ورسوله، فيجب عليه التوبة إلى الله عز وجل وعليه القضاء والكفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما إلا لعذر مثل مرض مبيح للفطر أو عيد أو سفر مبيح للفطر أو غير ذلك من مبيحات الفطر، ومن فطر بدون عذر في هذين الشهرين فيجب عليه أن يعيد الصيام من أوله، فإن لم يستطع الصيام فإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد ولكن دون تخيير بينهما، أي يجب على المؤمن أن يجاهد نفسه على القيام بالكفارة على ترتيبها وذلك لأن الله يعلم ما في القلب فيعلم مَن المستطيع ومن لا يستطيع، ولكن إذا أكره الرجل امرأته على الجماع فليس عليها كفارة ولا قضاء لأنها مكرهة وعلى الرجل الكفارة، وأما إذا كان الرجل معذوراً بجهل أو نسيان أو إكراه فلا كفارة عليه ولا قضاء وكذلك المرأة وذلك إذا جهلوا الحكم أو نسوه ولكن من يعلم بالتحريم فيجب عليه الكفارة، ومن جامع وهو صائم في سفره أفطر ولا كفارة عليه وإنما عليه القضاء، وذلك لأن المسافر يجوز له أن يفطر، وهذه الكفارة خاصة بالجماع في رمضان أما في غير رمضان فلا كفارة فيه فلا تجب الكفارة في صيام النفل، ولا تجب في صيام كفارة اليمين، ولا تجب في صيام فدية الأذى، ولا تجب في صيام متعة الحج لمن لم يجد الهدي، ولا تجب في صيام النذر، ولا تجب الكفارة في الإنزال بقبلة أو مباشرة أو غير ذلك لأنه ليس جماع، والكفارة تجب بالجماع مطلقاً في رمضان وإن لم يحصل إنزال.
وبالنسبة للنخامة فإن بلعها حرام سواء كان الإنسان صائماً أو غير صائم وذلك لأنها مستقذرة وربما تحمل أمراضاً خرجت من البدن ولكنها لا تفطر على القول الراجح من أقوال العلماء لأنها لم تخرج من الفم ولا يعتبر بلعها أكلاً ولا شرباً، فلو ابتلعها بعد أن وصلت إلى فمه فإنه لا يفطر بها ولكن ابتلاعها محرم كما قلنا لاستقذارها وضررها.
هذا شرح ميسر وضعته لكي يستعين به كل من أشكل عليه أمرا من أمور وأحكام الصيام
هذا وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين