دفق قلم
حكاية فتى مُتْرف
عبدالرحمن صالح العشماوي
ليست حكاية مقتطعة من حكايات ألف ليلة وليلة، وليست أسطورة من الأساطير، ولكنها حكاية شابٍ ينتمي إلى أسرة مترفةٍ رواها لي بنفسه قائلاً: دخلت منتدًى من منتديات (الشبكة العنكبوتية) بعد أن رفض والدي أن يشتري لي سيارة جديدة تفوق قيمة سيارتي الجديدة التي معي بضعف مبلغها، دخلت ذلك المنتدى متضايقاً لعدم تحقيق حُلمي في تلك السيارة وهداني تفكيري إلى طرح السؤال التالي في ذلك الموقع:
ما حلم كلِّ شخصٍ في هذا المنتدى؟ وكانت الإجابات مفاجأةً لي، بل كانت صدمةً كبيرة هزَّتني من الأعماق، وسأترك لك تأمّل بعض الإجابات قبل أن أبين لك أثرها العميق في نفسي.
1 - أجابت إحداهنَّ قائلة: أتمنى أن يتمكن والدي - أعانه الله - من الحصول على مبلغ قبل نهاية الإجازة يغطي حاجاتي أنا وإخوتي للمدرسة ومتطلَّباتها.
2 - أجاب أحدهم قائلاً: أتمنَّى أن ييسر الله لنا شراء بيت صغير حتى يستريح أبي من معاناة الإيجارات المرتفعة المقلقة، وحتى نستريح من مشكلة الانتقال بين فترةٍ وأخرى من منزلٍ إلى منزل.
3 - أجابت إحداهنَّ قائلة: أتمنى أن يتمكن أبي من جلب (خادمة) تساعد أمي المسكينة لأنها كبيرة السنّ ونحن ننشغل بالدراسة فتشقى في عمل البيت.
4 - أجاب أحدهم قائلاً: أحلم بمالٍ كثير نشتري به بيتاً يسترنا ونسدِّد ديون والدي المرهقة، ونشتري سيارة معقولة بدلاً من (وانيت الوالد) الذي نعاني من (عطله) المستمر.
5 - أجاب أحدهم قائلاً: أحلم بأن تمرَّ السنوات سريعاً لأتخرج من الجامعة وأستطيع رعاية شؤون أمي وإخوتي العشرة الذين هم أصغر مني، وذلك بعد أن فقدنا والدنا الحبيب.
6 - أجابت إحداهنَّ: أحلم بأن أجد مالاً كافيا لعلاج والدتي التي تعاني من أمراض عديدة، وتتحامل على نفسها من أجلنا، مع أنها تعاني الكثير.
هذا جزء صغير من أمنيات الناس وهنالك أمنيات كثيرة لا تخرج عن هذا الإطار الحزين.
قال الفتى المترف: ألا يحقُّ لي أن أفاجأ وأن أصدم، وأن أهتزَّ من الأعماق؟. والله لقد صغرت الدنيا في عيني، واستحييت من نفسي وقبل ذلك من ربِّي، فأنا أملك سيارة جديدة وأطمع في امتلاك سيارة أغلى منها، والناس من حولي يعيشون هذه الحالات المحزنة؟ لقد أراد بي ربي خيراً.
حينما طرحت ذلك السؤال في ذلك المنتدى وراجعت نفسي، وقد زاد من حسرتي أنني حينما تواصلت مع بعض أولئك الناس وجدتهم من سكان المدينة التي أنا فيها بكل ما فيها من مظاهر الترف والتطور العمراني المذهل، ويا لها من غفلةٍ قاتلة والله ما كنت أظنُّ أبداً قبل هذا السؤال أن حاجات الناس بهذه الصورة، ولقد عشت أياماً في حالة ذهولٍ مع نفسي، أتذكَّر مظاهر الترف التي أعيشها وأوازن بينها وبين تلك الحالات البائسة فأشعر بالرغبة في البكاء.
قلت له: لقد منَّ الله عليك فعرفت نعمة الله عليك وحاجة الناس فاحمد الله، وقدِّم لأهل الحاجات ما تستطيع وأبشرْ بالخير.
إشارة:
مئاتٌ مثلهم في كل أرضٍ
فما تُحصى الوجوه وما تُعَدُّ