تحميل صور
الكلمة التي ألقتها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أمام الكنيست الإسرائيلي الثلاثاء الماضي كان يجب ألا تمر بهدوء. ففي الوقت الذي تواصل فيه "إسرائيل" اعتداءاتها على المدنيين الفلسطينيين من الأطفال والنساء والشيوخ، قدمت المستشارة الألمانية خطاب اعتذار إلى الحكومة الإسرائيلية عن «المآسي» التي تعرض لها الشعب اليهودي على أيدي الألمان إبان الحرب العالمية الثانية بما في ذلك المحرقة اليهودية.
ليس ذلك فحسب، بل إن المستشارة التي حصلت على «شرف» الحديث أمام الكنيست بحسب تعبيرها قالت إنها تشعر بـ «العار» جراء ما قامت به ألمانيا تجاه اليهود، ولم تتردد حين قالت: «إنني أنحني أمام الضحايا وأمام الذين ساعدوهم على النجاة والبقاء على قيد الحياة».
ولعل السؤال الذي لم تحاول السيدة ميركل الإجابة عليه هو: لماذا يقتصر انحناؤها أمام الضحايا اليهود دون غيرهم من ضحايا جرائم الإبادة أو من ضحايا حروب الألمان؟.
ذلك أن المستشارة - التي لم تنبس بكلمة تجاه مجازر "إسرائيل" التي ترتكب على مقربة أميال من منصتها في الكنيست الإسرائيلي - لم يسبق لها أن عبرت عن الشعور بـ «العار» من قبل، في حق أكثر من 20 مليون سوفياتي قتلوا بأيدي الألمان!.
لم يكن هذا التصرف من الزعيمة - التي لا تزال حكومتها تدفع مئات البلايين من الدولارات في شكل تعويضات ومساعدات للحكومة الإسرائيلية - هو التصرف الأول ولن يكون الأخير. وغني عن القول: إن حسن استغلال الإسرائيليين للأحداث، وسوء تصرف خصومهم من العرب هو ما جعلهم يستطيعون الظهور بمظهر الضحية دائماً، إذ إن من المتفق عليه إسرائيلياً أن من واجب كل قادم رسمي إلى "إسرائيل" أن يزور النصب التذكاري لضحايا المحرقة النازية ليضع فوقه إكليلاً من الزهور، تعبيراً عن التعاطف مع ضحايا «الهولوكوست» من اليهود.
وبمناسبة مقارنة حسن استغلال الإسرائيليين للفرص المواتية وتفريطنا فيها، يمكن القول: إن كرم أخلاقنا العربية الأصيلة يحتم علينا أن نقدم الاعتذار للمسؤولين الغربيين الذين يزورن بلداننا بدلاً من أن نطلب منهم الاعتذار على جرائمهم ضد شعوبنا!.
في الوقت ذاته لعله من المفيد الإشارة إلى أن كلمة المستشارة الألمانية ليست سوى حلقة واحدة ضمن سلسلة طويلة من الكلمات التي ينوي أن يلقيها عدد من زعماء الغرب في الكنيست خلال الأسابيع القليلة المقبلة، احتفالاً بالذكرى الستين التي تقيمها "إسرائيل" على إنشاء دولتها.
ففي 14 أيار (مايو) المقبل سيحصل الرئيس الأميركي جورج بوش على «شرف» إلقاء كلمة أمام الكنيست الإسرائيلي، ولا يتوقع له أن يكون أقل شأناً من السيدة ميركل في تعاطفه مع الإسرائيليين المساكين! كما سيقوم ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز بزيارة إلى "إسرائيل" للمناسبة ذاتها، وقد عبّر الأمير عن نيته في زيارة قبر جده في المقبرة البريطانية في القدس المحتلة.
ومن يدري فقد يحصل زعماء عرب على شرف الوقوف على منصة الكنيست ليعربوا عن «أسفهم» للمحرقة النازية ويعلنوا «تضامنهم مع أبناء العمومة» كما فعل (...) من قبل! أو من يدري فقد يرفض الكنيست مثل هذا الأمر كون الزعماء العرب ليسوا أهلاً لتلك المنزلة!
ذلك أنه على رغم كل ما قدمته وتقدمه ألمانيا ل"إسرائيل"، لم تسلم زيارة مستشارتها من رفض بعض نواب الكنيست الإسرائيلي، الذين انسحبوا من مقر البرلمان قبل بدء المستشارة الألمانية إلقاء كلمتها في الكنيست قائلين: إن مخاطبة ميركل لهم بالألمانية تصرف «غير لائق»، وإن «خطاب اللغة الألمانية يستدعي ذكريات أليمة عن المحرقة النازية». بل إن أحدهم عبر عن تحيزه ضد اللغة الألمانية حين قال: «إنها اللغة التي ينطق بها من قتل أجدادنا في الحرب العالمية الثانية».
وليست مقاطعة النواب الإسرائيليين هي الأولى لمسؤولين ألمان، فقد قاطع عدد من النواب في الكنيست خطاباً كان ألقاه الرئيس الألماني راو عام 2000، وكذلك قاطع عدد منهم أيضاً كلمة كان ألقاها الرئيس الألماني الحالي هورست كولر عام 2005.
ولكن للحق، فإن المستشارة الألمانية إنغيلا ميركل لاقت دوياً من التصفيق حين افتتحت كلمتها بكلمات عبرية أسعدت الحاضرين، وتارةً أخرى حين أعربت عن أنها تشعر بـ «العار» لما ارتكبه الألمان ضد اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية.
ربما كان الأولى بالمستشارة الألمانية ذات الخبرة السياسية العريقة، أن تعلنها صريحة مجلجلة حين تقول: «إننا كألمان قد أخطأنا حين استهدفنا اليهود، وكان الأولى أن يكون هدفنا العرب أو المسلمين، لا غير»!
وفي ظني أنها لو فعلت ذلك لربما وجدت تصفيقاً يصل دويه إلى برلين، ولما قاطع جلستها أحد من الأعضاء بغض النظر عن اللغة التي كانت ميركل ستتحدث بها.
ـــــــــــــــــــــــ
الحياة اللندنية
منقوله