عشنا في الأسبوع الماضي أياما عبقة وساعات رائعة ولحظات لا تنسى، أتدرون لماذا؟ لأننا صحبنا فيها أعظم رجل عرفه التاريخ، نعم لقد صحبنا أنفاس النبي صلى الله عليه وسلم وحديثه،
أهل الحديث هم أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
وكان ذلك في المسجد الكبير في دورة سماع وختم جامع الإمام الترمذي، وهو المشروع الثالث ضمن مشروع قراءة وسماع الكتب السبعة، الذي يقوم به مكتب الشؤون الفنية التابع لقطاع المسجد في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بإعداد وتنفيذ عدد كبير من العاملين على رأسهم الشيخ: فيصل العلي خلف الكواليس، والدكتور: وليد العلي أمام الجهور، والشيخ: محمد بن ناصر العجمي بينهما، هذا المشروع الفذ حقا والرائع صدقا، الذي جعل الكويت قبلة العلماء وطلبة العلم، قرأنا فيه جامع الإمام الترمذي كاملا في ستة أيام متوالية من يوم الثلاثاء (27/11) إلى الأحد (2/12)، وكانت القراءة تبدأ من بعد صلاة العصر مباشرة إلى الساعة التاسعة مساء، لايقطعها إلا حضور صلاة الجماعة في المسجد الكبير ثم الرجوع مباشرة إلى السماع، قرأناها على كبار حفاظ ومحدثي العصر وهم:
الشيخ العلامة: ثناء الله بن عيسى خان المدني
والشيخ العلامة: محمد إسرائيل بن محمد إبراهيم السلفي الندوي
والشيخ العلامة: عبدالوكيل بن عبدالحق الهاشمي
وأجازوا كل الحضور بالسند المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأعطينا شهادات الإجازة التي كان أحب إلي من شهادة الدكتوراة؛ لاتصالها بالحبيب صلى الله عليه وسلم.
كان الشيخ عبدالوكيل يتحفنا باللطائف الإسنادية والنكت الحديثية، والشيخ ثناء الله يطربنا بالفوائد الفقهية والنوادر والفرائد الشرعية، وكأنهم في ذلك قد تقاسموا الأدوار فبينهما برزخ لا يبغيان.
فمن هذه الفوائد أن الترمذي ليس له حديث ثلاثي إلا واحد.
وقال عثمان للنبي صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك: يارسول الله: إن الله أرسل جبريل ليخبرك في القذر الذي كان بنعلك عندما كنت تصلي، فالذي لا يرضي القذر بنعلك لا يرضى القذر في عرضك.
حديث ابن عمر في الترمذي: قلَّما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدَّعوات لأصحابه: "اللهم اقسم لنا من خشيتك...)وصححه الألباني، دليل على مشروعية ختم المجالس العلمية وغير العلمية بالدعاء، وغير ذلك الكثير الكثير الكثير.
سألت أحد المرافقين لي في المجالس فقلت له: ماذا استفدت من الدورة، قال كثير: لكن مما استفدت أني رأيت التطبيق العملي لحب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم.
كان المجلس مهيبا والحضور مهولا؛ فقد تجاوز عدد الرجال الستمائة وعدد النساء المائة ، هؤلاء هم المسجلون رسميا، ناهيك عن الزوار والذين كانوا يحضرون بعض المجالس، حتى أنه أصبح من يزور الكويت من العلماء يتحرق شوقا لزيارة المجلس حتى يرى هؤلاء المشايخ مجتمعين، وحتى تصدق عينه هذا العدد الكبير.
وممن زارنا في الدورة معالي الشيخ الدكتور: عبدالله بن عبدالمحسن التركي - الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وذهل من الحضور
وكان مما قال: أظن هذا العدد يعادل عدد طلبة كلية، وقد صدق فطلبتنا في كلية الشريعة قريب من هذا العدد.
وزارنا الدكتور: علي محي الدين القره داغي- رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة في جامعة قطر، الذي تأثر جدا بالحضور والمجلس فأخذت عبراته تسابق عباراته طوال كلمته التي ختمها بنشيج وبكاء أبكى معه جل الحضور.
كان يتعاقب القراءة ستة قراء أصحاب أصوات ندية وقراءة متقنة وقلوب خاشعة، فكم مرة توقف القارئ عن المواصلة بسبب دمعاته وتأثره بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، التي كانت تنقش في قلوبنا الأثر الكبير، والله لقد ازددنا إيمانا، ويقينا بديننا وبنبينا صلى الله عليه وسلم، وفي نهاية المجالس أهدى لنا القائمين تحفة رائعة حيث قرأنا كتاب الشمائل المحمدية للترمذي أيضا.
وبهذا تم لنا قراءة ثلاثة كتب: كتاب الجامع وكتاب العلل وكتاب الشمائل كلها للإمام الترمذي رحمه تعالى. لقد صلي على النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس أكثر من مائة ألف مرة ولا أبالغ، ودعا المشايخ للكويت وأهلها عشرات المرات.
وفي ختام سماع الترمذي أمطرت السماء وابلا جميلا كأنها تبكي وداع هذه المجالس المباركة. فيا ليتها لم تنقض، وعزاء أنها ستعود في سنن أبي داود.
فاللهم أجز القائمين والمنظمين والمشايخ والقراء عنا خير الجزاء وارفع قدرهم ارتفاع الجوزاء واغفر لهم يوم اللقاء.
آمين آمين لا ارضى بواحدة حتى أكررها مليون آمينا.
منقوله