مقتطفات من حياة نساء شهيرات من نجد / للكاتبة دلال الخالدي
حصة بنت أحمد بن محمد السديري
ولدت حصة في عام 318 ا هـ/1900م ، وهي تنتمي إلى السدارى من البدارين من الدواسر، أقام جدهم في بلدة الغاط في سدير التي تعد موطن عائلة السديري حتى اليوم.
وكان لأفراد من هذه الأسرة أدوار إيجابية منذ بدايات الدولة السعودية الأولى، وعلى وجه الخصوص الفرع الذي ينحدر منه أحمد بن محمد السديري (جد حصة لوالدها) الملقب بأحمد الكبير ، الذي أسهم أفراده بخدمات جليلة في خدمة الدولة السعودية الثانية والثالثة ، وكان من أبرزهم أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد الذي شارك منذ شبابه المبكر في بعض العمليات العسكرية ضد محمد بن عبد الله بن رشيد (1289- 1315هـ/1872 - 1897م)، كما عرف عنه ملازمة الملك عبد العزيز بعد استرداده الرياض 1319هـ/1902م، فعينه أميرا على الوشم، ثم سدير ثم الأفلاج ، ثم القصيم، ثم عاد مرة أخرى فأصبح أميرا على الأفلاج إلى عام 1334 هـ/1916م، وكان خلال فترة تنقلاته الإدارية يشارك الملك عبدالعزيز في بعض الأعمال الحربية.
أما والدة حصة فهي شريفة السويد ، التي تنتمي إلى البدارين من الدواسر ، ولا تعطينا المصادر المتاحة أي معلومات عنها.
ونشئت حصة في أسرة كبيرة إذ كان لها من الإخوة الأشقاء تركي والجوهرة ولطيفة ، ومن غير الأشقاء عبد العزيز وخالد ومحمد وعبد الرحمن ومساعد وسليمان وبندر وسلطانة وعمشا وشيخة وشعيع وموضي وسارة والبندري ومنيرة وهيا.
وفي اعتقادنا أن حصة حظيت برعاية جيدة من والديها، وما تعكسه جليآ صفاتها الحميدة مما لفت انتباه الملك عبدالعزيز إليها، إضافة إلى جمالها، فتزوجها عام 1331هـ/ 1913م ولها من العمر ثلاثة عشر عاما، فأنجبت له ابنه سعدا الذي عاش لمدة خمس سنوات، وتوفي على أثر انتشار وباء الحمى الأسبانية في نجد عام 1337هـ/ 1919م ( سنة الرحمة) . ثم طلقها الملك عبد العزيز فتزوجها الأمير محمد بن عبد الرحمن بن فيصل وأنجبت له ابنه عبد الله، ثم طلقت منه وتزوجت مرة أخرى الملك عبد العزيز في عام 1339هـ / 1921م.
وعدت حصة أكثر زوجات الملك عبد العزيز إنجابا ، فقد ولدت له فهد (الملك) وسلطان وعبد الرحمن وتركي ونايف وسلمان وأحمد. إضافة إلى سبع بنات هن فلوة وشعيع وموضي ولولوة ولطيفة وجواهر والجوهرة.
و حظيت حصة بمكانة كبيرة ومنزلة عالية عند الملك عبد العزيز نتيجة لسلوكها الحميد وأخلاقها الرفيعة، ففيما يروى أن الملك عبد العزيز كان يقول إنه لم يسمع منها أي يوم كلمة تسئ الى أحد بأي شخص ، ونتيجة لهذه المكانة فقد كانت من أحب زوجاته إلى نفسه حتى أنه كان يدعو الله أن ترافقه في الجنة.
وتميزت حصة بحس أسري عميق فقد كرست حياتها للاهتمام بتربية أولادها، والعناية بشؤونهم، إذ كانت تحرص على أن يكونوا قريبين منها دائما، فمن ذلك أنها كانت تصر على أن يجتمعوا جميعا على مائدتها للغداء يوميا ، وتسأل عن أسباب تأخر أحدهم عن الحضور، وهو ما يدلل على رغبتها في تقوية أواصر الأخوة بينهم وتلاحمهم، كما حرصت الحرص على الاهتمام بشؤون زواجهم، من مثل ما فعلته في زواج ابنيها فهد وسلطان عند زواجهما من منيرة والعنود ابنتا عبد العزيز بن مساعد بن جلوي، إذ تولت تجهيز بيتهما بما يحتاجان إليه من أثاث ومفروشات ، وأظهرت لمنيرة والعنود ولوالدتهما ، كثيرا من المودة والأكرام والتقدير وقالت فيما قالته: "الأولاد أولادي (تعني ابنيها فهد وسلطان) والبنات بناتي (تعني منيرة والعنود) ، وأنا أتولى بنفسي أمر تجهيز بيوتهما بما يلزمهما من أثاث وفرش ". ثم تولت بنفسها تجهيز بيت ابنها نايف عند زواجه من الجوهرة بنت عبد العزيز بن مساعد ابن جلوي.
ومن جانب آخر كان لحصة اهتمام بالعمل الخيري والإنساني، فقد كانت تقوم بتوزيع الصدقات على المحتاجين في أيام معينة من السنة خاصة في شهر رمضان، وتتولى بنفسها إيصالها إليهم، وكانت تحرص على الجلوس إلى الفقيرات للاستماع إليهن ومعرفة احتياجاتهن. وفتح بابها للناس وشفاعتها لهم .. إضافة إلى ذلك كان لها اهتمام بالجانب العلمي فسعت إلى نشر العلم بين الأطفال عن طريق تشجيعهما على حفظ القرآن ومكافأة من يحفظه منهم بجوائز تشحذ همة الآخرين ، كما أنها حرصت على توفير الكتب لطلبة العلم بوقفها عليهم، ومن الكتب التي مازالت تحمل ما يدل على ذلك نسخة من الجزء الثاني من كتاب الفروع في الفقه لشمس الدين محمد بن مفلح الحنبلي، ودون عليه نص وقفيتها الآتي: "قد دخل هذا الكتاب في ملك حصة بنت أحمد السديري بالشراء الشرعي وأوقفته على طلبة العلم، لا يباع ولا يوهب ولا يورث وجعل النظر فيه لعبد العزيز بن فائز، (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم) . وأولت الأميرة حصة اهتماما خاصا ببناء المساجد. وبعد حياة حافلة بالعطاء توفيت في عام 1389هـ/1969م عن عمر يناهز الواحد والسبعين عاما.
حصة بنت صالح الدخيل
تنتسب حصة بنت صالح الدخيل بن جار الله إلى أسرة آل سابق بن حسن، التي تنتمي إلى الوداعين من قبيلة الدواسر، وهي من الأسر المتحضرة التي استقرت في مدينة بريدة بالقصيم .
وعرفت أسرتها بآل دخيل نسبة إلى جدهم دخيل بن جار الله.
ومن المعلومة السابقة يتضح لنا أن ولادتها كانت في بريدة، ومما يؤكد هذا الرأي أن أخاها سليمان بن صالح بن دخيل (1290- 1364هـ/ 1873 - 1945م) المؤرخ والصحفي المشهور ولد فيها.
نشأت في أسرة كان لها شأن فوالدها صالح بن دخيل كان يعد من علماء بريدة البارزين ، وعمها جارالله بن دخيل كان تاجرا مشهورا ووكيلا لآل رشيد في بغداد في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى .
وتفيد المعلومات الأخرى عن أسرتها التي وقفنا عليها بوجود أخوه لها غير سلمان هما عبد الله ولولوة التي تزوجت من الملك عبدالعزيز .
عندما وصلت حصة الى سن الزواج تزوج بها عبد العزيز بن متعب بن عبدالله بن رشيد (1315 - 1324 هـ/1897- 1906م) واعتبر زواجها (أجنبيا) لكونها من عائلة بعيدة بنسبها عن عائلة آل رشيد، أو قبيلتهم شمر . ويدخل هذا الزواج في إطار الزيجات السياسية التي يلجأ إليها الحكام لتوطيد نفوذهم، فعبدالعزيز بن رشيد أراد به توثيق علاقته السياسية مع قبيلة الدواسر لتعزيز نفوذه في وسط نجد، كما أراد به (في اعتقادنا) تحسين علاقة حائل بالقصيم التي كانت متوترة خاصة في أعقاب موقعة المليداء الشهيرة 1308هـ/ 1891م. وقد أنجبت حصة للأمير عبد العزيز ابنا مات صغيرا، ومن المحتمل أن تكون قد أنجبت له بناتاً.
ولا تعطينا المصادر أي معلومات أخرى تتعلق بحياتها في حائل، ولا سنة وفاتها.
سارة بنت أحمد السديري
ولدت سارة على وجه الترجيح في العقد السابع من القرن الثالث عشر الهجري، في الأحساء نظراً لأن والدها أحمد بن محمد السديري كان أميراً عليها من قبل الإمام فيصل بن تركي (1250-1254هـ/ 1834-1838م) (1259-1282هـ/ 1843-1865م) حتى وفاته عام 1277هـ /1868م .
وكان والدها قبل توليه إمارة الأحساء قد تبوأ مناصب إدارية أخرى ، كما كان إسهامه العسكري ، وتتجلى في سيرته المواقف الجليلة ، والشجاعة القائمة ، والخدمات الإنسانية ، ورعاية الأدب ، خاصة الشعر منه .
وقد سار إخوتها محمد وتركي وعبدالمحسن وعبدالعزيز وسعد وعبدالرحمن على سيرة والدهم عملاً وخلقاً، فكان لبعضهم إسهاماً في خدمة الدولة السعودية الثانية في مواقع إدارية مختلفة بين جهات عمان والأحساء وسدير والقصيم ، إضافة إلى ذلك مشاركتهم العسكرية ، أما على أخواتها فقد وفقنا على اسم اثنين منهما هما نورة وفلوة .
ورغم أننا لم نقف على معلومات عن والدتها إلا أن صفات أبنائها تعكس ما كانت تتسم به هي الأخرى من صفات حميدة .
وفي هذه البيئة نشأ تسارة ورغم أنها لم تتلق أي قدر من التعليم، إلا أنها عندما بلغت سن الرشد أظهرت ما يدل على عمق تربيتها وحسن توجيهها ، فكانت من أكمل النساء عقلاً وتدبيراً ، إضافة إلى ذلك إبداعها الشعري .
ووصفت بالجمال وطول القامة ، وأشار إلى ذلك جملة من الذين تحدثوا عنها فيقول أحدهم: " كانت سيدة جسيمة وسيمه " ويقول آخر " أم تميزت بالحسن " في حين وصفها ثالث بأنها " كانت أمرأة طويلة ، وأن منها جاءت النوعية المميزة لطول القامة بين السعوديين " . ويقدم آخر معلومة أكثر تفصيلاً عن سابقيه فيقول " كان والدة عبدالعزيز سارة بنت أحمد السديري ، امرأة فارعة الطول ذات بنية كبيرة كغيرها من أفراد عائلة السديري ، ويقال إن عبدالعزيز ورث قامته المديده الكبيرة عن أمه .
وكانت سارة قد تزوجت من عبدالله بن أحمد بن عبدالجبار ولم تنجب منه ، ويذكر محمد جلال كشك أن زوجها حملها مسؤولية عدم الإنجاب فطلقها ، غير أن إحدى الوثائق الخاصة بسارة تشير إلى أنه توفي عنها ، وأنها ورثته .
وبعد وفاته تزوجت بالإمام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي " فتمنت على الله أن يزرقها بالولد فيساوي الدنيا وما فيها ، وقد استجاب الله لدعائها ، فأنجبت فيصلاً ثم نورة ، ثم أنجبت عبدالعزيز سيد جيله ، ثم منيرة وهيا وسعداً .
ويوضح زواج اختيها نورة من جلوي بن تركي بن عبدالله وفلوة من محمد بن فيصل بن تركي إلى جانب زواجها هي نفسها من آل سعود عمق الصلة التي تربط بين أسرة السديري وآل سعود ، وأنها صلة قديمة توثقت فيما بعد بشكل أكبر بزواج آخرين من آل سعود من بنات ينتمين إلى هذه العائلة .
وعملت سارة على تربية أبنائها توجيههم الوجهة الصحيحة ، وأعدتهم الإعداد الملائم لتحمل التبعات في مستقبل الأيام .
وتبدو لنا فضائل خلق سارة في المواقف التي عصفت بأسرتها بعد موقعة المليداء عام 1308هـ / 1891م ، فقاسمت زوجها الإمام عبدالرحمن الأغتراب عن الوطن حيث تجملت بالصبر ، ورقت بشمائلها وتقواها ،غير آبهة بزينة الأميرات فكفلت زوجها في ترحاله ، وأحاطت أبناءها بعنايتها ورعايتها .
ويظهر خط سير الإمام عبدالرحمن ورحلته الطويلة التي بدأت من خروجه من الرياض حتى استقراره في الكويت ، عظم موقف سارة وقوة احتمالها ، ومؤازرتها لزوجها ، وتحملها الصعاب معه ، إذ تبين الفترة التي قضتها في الصحراء مع أسرتها في منازل آل مرة والعجمان ، بين يبرين والأحساء ، ما ذهبنا إليه ، وعندما شعر الإمام عبدالرحمن بصعوبة حيارة الصحراء على نساء أسرته ، بعث بهن إلى البحرين وفيها عاشت آمنة مع بقية نساء الأسرة ، ثم انتقلت معهن إلى قطر ، ومنها إلى الكويت حيث سكن الإمام عبدالرحمن وأسرته في منزل متواضع يتكون من ثلاث غرف لا يقاس بجانب القصر الذي عاش فيه مع أسرته في الرياض .
وفي الموطن الجديد واصلت سارة رعاية أبنائها واهتمامها بهم ، وفي تلك الفترة سعت إلى تزويج ابنها عبدالعزيز ، فبحثت له عن زوجة ووقع اختيارها على بنت الفكري.
وعندما عزم عبدالعزيز على استعادة ملك آبائه وأجداده ، وجد في والدته خير معين وسند له ، وتجلى ذلك منها في موقف حمل كل معاني التضحية والإقدام، إذ طلبت من والده أن يسمح له بتكرار المحاولة عقب فشل محاولته الأولى لما لمست منه من إصرار وعزيمة وهي بني عاملين حب الأبن والإشفاق عليه من تلك المغامرة أو النزول على طلبة لفتح الباب له على مصراعيه وبعد أن أكمل عبدالعزيز استعداداته لينطلق من الكويت ذهب إلى أمه ليودعها وهنا جاش في صدرها حنان الأم وتغلب عليها الخوف عليه فبكت بكاءً حاراً، وحاولت أن تثنيه عن قصده غير أن أخته نورة شجعته.
وقد أشار إلى دور سارة في مسيرة أبنها بعض من كتب عن الملك عبدالعزيز فوضحوا تأثره بها وفضلها في توجيه كما أن الملك عبدالعزيز ذاته كان يذكر ويشيد بما كان لها من فضل عليه في كل مناسبة.
وتوفيت سارة في الرياض في أوخر عام 1327هـ/ أوائل 1910م.
ابوحمد الشامري