اخواني الاعزاء سلمهم الله
تحية عطرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
سألت احد المشايخ الفضلاء عن الحكم على صدام وقال العامه تحكم علية بالعاطفة وليس حكم الشرع
كما لم يشفع لصدام حسين كثير وكثير من مواقفه الأخيرة وتحولاته الواضحة في العقد الأخير من حياته، ولا صموده وثباته حتى آخر لحظة في أيام حكمه في وجه الأطماع الصليبية والصهيونية والرافضية- كما لم يشفع له شيء من ذلك لدى قطاع غير قليل من أهل الخير والصلاح والدعوة في أن يغيروا موقفهم منه أو أن يخففوا حكمهم عليه- فلم يشفع له أيضًا نطقه بالشهادتين وصدعه بهما في آخر لحظاته وهو يجود بنفسه وحيدًا على مرأى ومسمع من أعدائه الحاقدين عليه المتربصين به المحيطين به الذين حاولوا استفزازه ليقول هجرًا أو فحشًا يلقى به ربه في هذا الموقف العصيب.
والرجل لم يكن أمام الجماهير الغفيرة ولم يكن يدري أصلاً أن الله عز وجل سيقيض له من يسجل هذه المشاهد من أعدائه ليفضحهم بها على رءوس الأشهاد، وليظهر ثبات الرجل وصدعه بكلمة التوحيد وهو يجود بنفسه- لم يكن يدري شيئاً من ذلك حتى نقول إنه أراد أن يسجل موقفًا!!
لكن للأسف لم يشفع له شيء من ذلك - على الأقل في تخفيف الحكم الذي أصدره فريق منهم عليه في وقت ما ربما كان يستحق فعلاً هذا الحكم حينها.
أما أن يستصحب هذا الحكم بعد كل هذه المواقف وتلك التحولات والقرائن الواضحة في وقت لا مجال فيه للتصنع ولا للتجمل والمناورة؛ وكأن الرجل أنزل فيه نص قرآني أو نبوي أنه يموت على الكفر ولا تنفعه توبة!! فهذا لاشك أمر عجيب وخطير، لا ينبغي أن نغفله في هذا البحث، ويتحتم علينا أن نتناول حجة أولئك الأخيار من خلال نصوص الشارع الحكيم وأحكامه بعيدًا عن الهوى والعاطفة.
ولا تعنينا الكتابة اليوم عن (صدام حسين)، كما لو كان حيًا، وخصوصًا وأن الرجل قد أفضى إلى ما قدم ولا يضره اختلاف الناس فيه.
لكن الذي يعنينا هو أن نجلي الأمر أمام مشايخنا وعلمائنا الكرام من أهل السنة، ونتساءل: كيف حكموا على رجلٍ بعينه، في لحظة خاتمته، وخاضوا في قضية غيبية فيها نص قاطع؟!
فبعدما أعرضوا عن كل تغيراته وتحولاته نحو الإسلام في العقد الأخير من حياته، وأغمضوا عيونهم عن النظر حتى إلى آخر محاكماته، وآخر كلماته.. جاؤوا يصدرون حكمًا عليه بالتكفير والزندقة على أنه بعثي، وأنه لم يبْلغهم، أو يُبلِّغهم هو بتوبته من بعثيته..؟!
وهل يصح اعتبار عدم العلم بتغير الحال، دليلاً على عدم تغير حاله..؟!
و هل لم تعد الشهادتان ينطقها الرجل بنفسه، حرًا مختارًا وهو يجود بنفسه، ولا يوجد من جلاديه حوله من يذكره بها- هل لم تعد هذه الشهادة كافية على الأقل لتكون قرينة للتوقف في الحكم على الرجل بالكفر؟!! أيجود منافق بروحه وهو ينطق الشهادتين..؟!
أليس من توفيق الله تعالى لهذا الرجل أن جعل آخر عهده وكلماته التي فارق بها هذه الحياة الدنيا نطقه لشهادتي التوحيد " أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله ".. وكانت قتلته شنقًا على يد الغزاة الصليبيين المعتدين وعملائهم الخونة من الشيعة الروافض؟!!
أليس من توفيق الله له أن ينطق بالشهادتين.. ويكرر نطقه بهما.. في ظروف يسودها الخوف والإرهاب.. والرعب.. وشماتة الأعداء وبذاءتهم.. غير آبه بكل ذلك ؟!
أيحسب المرء أن الموت على شهادة التوحيد ـ بحيث تكون آخر كلمات المرء التي يودع بها الدنيا ـ أمر سهل ميسور ـ كما زعم أحد دعاة الفضائيات ـ من دون توفيق الله وتسديده له ؟!!
أين هؤلاء الأفاضل من قول النبي r: "ما من عبدٍ قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة "([1])؟!.
وقوله r: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة "([2])؟.
وقوله r: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يومًا من الدهر، وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه "([3])؟ .
أين هم من حديث طلحة بن عبيد الله t حيث قال: سمعت النبي r يقول: "إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه، ونفَّس الله عنه كربته ". فقال عمر بن الخطاب t: إني لأعلم ما هي. قال: وما هي؟ قال: تعلم كلمة أعظم من كلمة أمر بها عمه عند الموت: "لا إله إلا الله "؟ قال طلحة: صدقت؛ هي والله هي([4])؟!.
أين هم من قوله r: "إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعةً وتسعين سجلاً؛ كل سجلٍّ مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كتبت الحافظون؟ يقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيُخرج بطاقة فيها، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة، وما هذه السجلات؟! فقال: فإنك لا تُظلم، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسم الله شيء"([5])؟!.
فهذا عنده تسع وتسعون سجل مليئة بالخطايا والذنوب.. كل سجل طوله وامتداده مثل مد البصر.. ومع ذلك قد رجحت عليهنَّ "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"!
بل أين هم من قوله r: "قال لي جبريل: لو رأيتني وأنا آخذُ من حالِ ـ أي من طين ـ البحرِ فأدُسُّه في فمِ فِرعون مخافةَ أن تُدرِكَه الرحمةُ "([6])؟!!.
أي مخافة أن يقول لا إله إلا الله.. فيموت عليها.. فتدركه الرحمة بسبب ذلك.. كما في رواية ابن عباس عند أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن جبريل كان يدس في فم فرعون الطين مخافة أن يقول لا إله إلا الله"([7]).
وفرعون هو هو.. الذي قال عن نفسه: )وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي( [القصص:38]، ) أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى( [النازعات:24].
فهل تدرك فرعون الرحمة إذا نطق بكلمة التوحيد مضطرًا وقد عاين الهلكة، وهو من هو في الكفر والطغيان الذي يتشبث به حتى آخر لحظات حياته، ويطارد رسول الله وكليمه عليه السلام والمؤمنين به ليفتنهم عن دينهم، ثم لاتدرك صداماً هذه الرحمة وهو يجهر بكلمة التوحيد حراً مختاراً ويصدع بها،قبل أن يقولها في هذا الموقف العصيب وفي مواجهة عدو ظالم محتل وأوليائه ممن يرون سب صحابة رسوله r ، وزوجه أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها – يرون ذلك ديناً يترقبون به إلى الله؟!!
ألم يكن السجود لأمريكا والتسبيح بها في تلك اللحظة كافياً لدفع الرغبة الأمريكية بقتله ..؟!فلماذا لم يقلها ويحاول النجاة من مصيره وهي أسهل ماكان عليه أن ينطقه فالشيطان يؤزه والخوف يحيط به والعدو والعميل فوق رأسه والحبل حول رقبته ومشايخ وعلماء العالم لن يقبلوا منه إيماناً ولاإحساناً ..؟!
ألم يجد صدام كلمات يقولها في قاموس الحزب والحياة، في تلك اللحظة إلا كلمة "التوحيد"، ثم نعدها منه وكلمات الكفر سواء..؟!
متى أصبح التلفظ بالشهادتين، وعدمه سواء..؟!
متى أصبح سكوته عن الشهادتين ـ لو أنه سكت ـ دليل ردة ـ وأصبح نطقه بالشهادتين دليل زندقة ونفاق..؟!
أيعقل أن يكون نطقه وسكوته سواء..؟! و نطقه بكلمة الكفر وبكلمة التوحيد سواء.؟!
بل لا ندري كيف يُثبِّت الله تعالى رجلاً على هذه الكلمات، و يهديه إليها هداية، ويعلنها للعالمين إعلانًا، ويخرجها للعالمين من بين حرز الزنادقة المحاربين وهم لا يشعرون، ثم يُرفض ذلك كله ولا يُستأنس به استئناسًا..؟! وما نشرهم لذاك المشهد العظيم إلا من مكر الله بقاتليه، ومن تزيين الله لهم أعمالهم ] أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم [ [محمد: 23].
لا عجب من اضطراب كثير من إخواننا هؤلاء، حين جاءت الخاتمة على غير ما سمعوا من روايات وربما روّجوا من قبل عن الرجل كثيرًا، وتوقعوا سوءًا فلكأنه سقط في أيديهم...!
لا عجب إذ هو نفس المنظار الذي نظر به كثير منهم إلى أعمال هذا الرجل الصالحة من قبل، وتغييراته المنهجية العامة، فضلاً عن الخاصة، في العقد الأخير من حياته..!
إنه منظار الارتياب، واتهام النوايا..! فذهبت عليهم الفرصة، واقتنصها اليهود والصليبيين والمجوس حين اقتنصوه.. ومازال البعض في ريبهم ـ من الرجل ـ يترددون..!
منظار الارتياب الذي عمم حتى على من يدلي بشهادةٍ يدين الله بها، وإن كان ذاك الشاهد من أوثق الثقات، ما دامت تلك الشهادة فيها تزكية صدام، فأقل ما يقال في صاحب الشهادة ليس عنده بُعد نظر، إنه متعاطف معه كما تعاطف كثيرون مع بعض الطغاة!!
تابع