1/ كيف نجعل من القرآن حياة لقلوبنا وواقعنا؟
القرآن - كما ذكر الله – "شفاء لما في الصدور" وكم في الصدور من أدواء تحتاج إلى علاج!! وعلاجها بهذا النور الرباني والهدي الإلهي، ومن أعظم ما يساعد على إحياء القلوب بالقرآن التأمل في معانيه والتدبر في آياته، وذلك من خلال تفريغ القلب من الشواغل، واستشعار أن هذا الكلام هو كلام رب العالمين تكلم به حقيقة وأوحاه إلى جبريل ليلقيه في ورع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحينما يعرض الواحد منا عيوبه – وهو أعلم بها من غيره – على آيات القرآن يجد أن أسرار الذكر الحكيم مما يعالج به أدواءه والتي من أعظمها قسوة القلب وغفلته. فحينما يمر به مثلاً قول الله: "لا تمدنّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى" عند ذلك تسمو النفس عن حطام الدنيا الفاني لتحلق في سماء العالم العلوي محتقرة بهرج الدنيا وزخرفها الخدّاع.
إن واقع الأمة اليوم على المستوى العام والفردي لا يسر بأي حال، وليس من طريق للخلاص من هذا الواقع الآسن إلا بالعودة إلى المنبع الصافي والمورد الزلال الذي استقى من الأوائل فحازوا به عزّ الدنيا وفلاح الآخرة.
2/ القرآن مدرسة فكيف نطبقها واقعاً فالكثير منا يقرأ ولا يجد لهذا أثراً في الواقع.
هذا صحيح لأن الكثيرين حسن يقرأ أحدهم القرآن إنما يقرؤه رغبة في زيادة رصيده من الحسنات فحسب، وهذا الأمر وإن كان محموداً من وجه؛ لكن الاقتصار عليه دون غيره من المطالب والغايات يعدّ نقصاً ينبغي تداركه.
إن القرآن لم ينزل لمجرد التلاوة فحسب، ولو كان كذلك ما ذمّ الله أهل الكتاب بقوله: "ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيّ"، والأمانيّ: التلاوة. وإنما القرآن نزل ليقود صاحبه إلى رتب الكمال البشرى الذي حثنا الشرع على نشدانه والوصول إليه، فصاحبه ينبغي أن يرى أثر القرآن عليه في سمته ونسكه وسلوكه حينما نزل وأينما رحل، قال الحسن البصري – رحمه الله-: (إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله، وما تدبر آياته إلا بإتباعه، وما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: لقد قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفاً!! وقد والله أسقطوه كلّه!! ما يرى القرآن له في خُلق ولا عمل، حتى إن أحدهم ليقول: إني لأقرأ السورة في نفس!! والله ما هؤلاء بالقرّاء ولا العلماء ولا الحكماء ولا الورعة، متى كان القرّاء مثل هذا؟! لا كثر الله في الناس أمثالهم).
3/ هل العبرة بالكم دون التدبر؟ وكيف بمن يقرأ بلا تدبر وتأمل في الآيات، هل له أجر؟
قطعاً أن العدة ليست بالكم حين يخلو من التدبر، ولهذا نجد أئمة السلف يجلس أحدهم في السورة أياماً بل ربما سنوات حتى يحفظها ويتقنها =، يقول عبدالله بن عمر: (تعلّم عمر البقرة في اثنتى عشرة سنة، فلما ختمها نحر جزوراً) وطول المدة ليس عجزاً من عمر ولا انشغالاً عن القرآن حاشاه، فما بقي إلا أنه التدبر.
ويقول محمد بن كعب القرطبي: (لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح ب "إذا زلزلت" و "القارعة" لا أزيد عليها أحبّ إليّ من أن أهذّ القرآن ليلتي هذّاً).
4/ أيهما أفضل الختمة أكثر من مرّة،أم الختم بتدبر وتأن ولو كانت ختمة واحدة في الشهر؟
لعلّ في كلام ممد بن كعب السالف ما يوحي بالجواب عن هذا السؤال، فالأصل هو التدبر والتأمل في آيات القرآن والعيش معها؛ لأن لذلك أثراً كبيراً في حياة القلوب واستقامة الإنسان على جادة الهدى. ومع هذا فليس هناك ما يمنع – وخاصة ونحن في هذا الشهر المبارك – من أن يكون للواحد منا ختمة بتدبر وتخشّع وتكرار للآيات كثر من مرة، وتكون له أيضاً ختمة أو ختمات دون ذلك، ولعلّ ما روي عن كثير من السلف في ختم القرآن مراراّ كثيرة في شهر رمضان يحمل على هذا الأمر أن بعضهم كان يختم في اليوم ختمتين أو ثلاث – كما ذكر ذلك النووي وغيره – وهذا قطعاً لا يكون بتدبر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يفقه القرآن من يقرؤه في أقل من ثلاث".
وهذا يعني أنهم كانوا يحرصون على الإكثار من قراءته في هذا الشهر مع بقاء القراءة المتدبرة في ختمات أخرى في رمضان أو في غيره، والله أعلم.
5/ نجد الكثير يتحمس أول الشهر ثم يصيبه الفتور، كيف نوطن أنفسنا على التحمّس في القراءة حتى نهاية رمضان؟
الفتور أمر طبيعي في الإنسان، ولكن ينبغي معالجته أو التخفيف منه، ومما يعين على ذلك استشعار قيمة العمر وهذا الشهر خصوصاً، فإنما هو أيام قلائل ستنقضي وتطوى ثم لا يدري المرء هل تعود عليه أخرى أم سيكن موسّداً بين أطباق الثرى.
ومما يعين كذلك على طرد الفتور أن يكون للواحد منا أخ أو إخوان يتعاون وإياهم على العبادة، فإذا نسي ذكروه، وإذا ذكر أعانوه، فلو كان هناك حلقة يومياً طوال أيام هذا الشهر في المسجد، أو في البيت مع الأولاد لكان في ذلك وافقاً وحافزاً على مواصلة القراءة وديمومتها. "وأحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قلّ"
والله أعلم...