مـقـدمة:*
تعتبر معركة طﻼل الثانية أكبر المعارك التي شهدتها الجزيرة العربية في العصور اﻷخيرة ﻷنها بين حاكم*
دولة وعدة قبائل متحالفة معه ضد قبيلة واحدة غير مكتملة, وطﻼل معركتان اﻻولى كانت عام1247هـ بين اﻻمام فيصل بن*
تركي وقبيلة عتيبة-الروقة- بقيادة الشيخ سلطان بن ربيعان وكان النصر حليف عتيبة اما الثانية وهي اﻷكبر واﻷشهر وهي*
بين اﻻمام سعود بن فيصل بن تركي ومعه عدة قبائل ضد الروقة بقيادة الشيخ مسلط بن ربيعان وهي المعركة المعروفه*
بمعركة طﻼل الكبرى وهي عام1290هـ وهي التي نحن بصددها وقد سميت بهذا اﻷسم نسبة الى "طﻼل" وهي مورد ماء في
عالية نجد كانت مسرح لتلك الملحمة العظيمة .*
أسباب المعركة:
يعود سبب المعركةالى انه بعد وفاة اﻻمام فيصل بن تركي عام1282هـ تولى الحكم بعده ابنه اﻻكبر اﻻمام عبدالله أﻻ انه لم*
يستطع ان يحظى بأجماع وتأييد الدولة ورجالها الفاعلين وكان أخوه اﻻمام سعود أوفر منه حظا في الحكم مما جعل الناس*
تلتف حوله و ادى ذلك الى نشوب فتنة بين اﻷخوين كما هو معروف, وقد انضم اﻻمام عبدالرحمن وهو اﻷصغر ﻷخيه عبدالله*
وتصاعدت الفتنة وبدت حروب بين اﻷخوين واستطاع سعود وانصاره اﻻنتصار في معظم المواجهات وضعف عبدالله وتفرق*
عنه أغلب مؤيديه وتشتت جيوشه, وبعد علم سعود بتلك اﻷنباء أمر جيوشه بتعقب فلول أنصار عبدالله وهزيمتهم وأمرهم بعدم
التعرض ﻷخوته باﻷذى وأحضارهم له سالمين , عندها قال عبدالله ﻷخيه عبد الرحمن ماهوب مزبنا أﻻ ابن ربيعان وجماعته) وذلك ﻷن مسلط بن ربيعان شيخ قبيلة قوية وله ثقله وتأثيره في الجزيرة العربية وأحداثها كما ان الرباعين لهم عﻼقات طيبه مع آ ل سعود وتأييدهم لدعوة التوحيد ,وبالفعل ذهبوا الى ابن ربيعان واستقبلهم وأكرمهم غاية اﻷكرام وحلوا في ضيافته وحماية قبيلته مدة من الزمن بعدها قال اﻻمام عبدالله (ما قصرت يا ابن ربيعان وبيض الله وجهك انتم بدو تشدون وتنزلون وحنا ماهوب دايم تابعينكم وهالحين مانبا منك أﻻ توصلنا ﻻبن رشيد في حايل) وكان ابن رشيد في ذلك الوقت تحت أمرت الدولة وآل السعود , فما كان من الشيخ مسلط أﻻ أن طلب منهم البقاء معهم وفي ضيافتهم كعادة الشيوخ وكرام العرب فذكر عبدالله ان اكرامهم هو تلبية طلبهم فلبى الشيخ مسلط طلبهم وارسل معهم فرسان من الروقه حتى وصلوا ﻷبن رشيد في
حائل , غضب اﻻمام سعود من فعل ابن ربيعان وقبيلته معتقدا انه يناصر عبدالله ويعاديه وأراد اﻷنتقام منه ومن قبيلته وكان ابن ربيعان وقبيلته في تلك اللحظه مقيمين في منطقة البرود في السر بوسط نجد فأرسل له اﻷمام سعود امير البرود ابن ناهض كي يخفرهم والخفر هو(ان يأتيهم ويأخذ أجود خيولهم او أطيب أبلهم كنوع من الضريبة أو العقاب ) وعندما جاء ابن ناهض الى مسلط والروقه في البرود قاليا مسلط ان جايك من ابن سعود وهو وامرني بكذا وكذا) فكان رد اﻷمير مسلط طبعا بالرفض ﻷنه ليس من عادة عتيبة وشيوخها تقديم التنازﻻت المهينه والرضوخ لها فرجع ابن ناهض لﻼمام سعود وأخبره بالخبر فغضب سعود من مسلط فعزم على حربه وأعد العدة لقتاله وجمع القبائل لتصفية الروقة وعتيبة من الوجود وكان هذا هو السبب الرئيسي للمعركه,بعد هذه اﻷحداث توجه الروقه الى طﻼل في عالية نجد في وقت الربيع, وفي تلك اﻷثناء ومن جانب آخر كان في قبيلة مطير أمراة تدعى وضحى الجدعية وكان عندها ابل ﻻ يعرف لها نظير من حيث جمالها وطيبها فأراد اﻻمام سعود شراء اﻷبل فرفضت الجدعيه فقال لها الدويش : (ابك هذا سعود والله أن ما بعتيها عﻼه أن ياخذها غصب عنك) وكان الدويش في حينها من أكبر حلفاء اﻷمام سعود , فكان ردها على الدويش بالرفض وخافت المرأة على ابلها واحتارت في أمرها فأشار عليها أحد أفراد جماعتها بأن تزبن وتهرب بها وقال روحي ﻻبن ربيعان عانه في طﻼل وازبنيه تراه متزاعلن هو وابن سعود) وفعلن اتجهت لطﻼل وازبنت مسلط وقال لها مسلط والله ما يجيك أحد انتي في حمى الله ثم في حماي) وعند علم اﻻمام سعود بهذا الخبراستشاط غضبا واعتبر ان مسلط يتحداه فسير جيوشه بأتجاه الروقه لقتالهم واﻷنتقام منهم.*
تفاصيل المعركة:
في عام 1290هـ تقريبا جمع اﻻمام سعود بن فيصل الجموع وجيش الجيوش الجرارة من مختلف القبائل واﻷحﻼف لقتال الروقة فكان معه من القبائل(مطير بقيادة الدويش , والعجمان وسبيع والسهول وأهل العارض وأهل سدير وأهل القصيم والعديد من أهالي نجد وغيرهم من المرتزقه) وأعد اﻻمام جيوشه للحرب وكان عدد جيوشه تقريبا 8آﻻف فارس في تلك اﻷثناء كان الروقة مربعين في طﻼل بقيادة اﻷمير مسلط بن ربيعان فجائهم النذير وهو(سرور الحمادي العتيبي) وكان قد وصلته تلك اﻷخبار فأخبرهم باﻷمرفجمع اﻷمير مسلط شيوخ الروقه وأهل الرأي فيها كالشيخ صنيتان الضيط شيخ قبائل مزحم وابن محيا ومدوخ السليح وشليويح العطاوي وابن عميرة وابن طويق الحافي وغيرهم وذلك للتخطيط لهذه المعركه وقيل ان الشيخ الضيط أشار عليه بخطة للدفاع وكان عدد الروقة ثمانمائة فارس وقيل أ قل ويتضح من المقارنة بين الطرفين عدم تكافئ موازين القوى فكان الموقف في داخل قبيلة الروقه وعند شيوخها حاسما واﻷمر ﻻيحتاج لتأجيل فأما ان يقاتلون الموت أو يستسلمون للموت فأختار الروقه كعادتهم الخيار اﻷصعب وفضلوا الموت بشرف ولسان حالهم يقولفأما حياة تسر الصديق واما ممات يغيض العدا) وﻷنهم معتدى عليهم بغير حق فكان قرار الشيخ مسلط هو الحرب فلبس الشيخ مسلط درعه وهو درع مهدى له من باشة اﻷتراك يمتاز بأنه واقي من طعنات الرماح وضربات السيوف وتقلد سيفه وأمر اﻷمير مسلط بتجهيز الرجال وحثهم على اﻷستعداد وتجهيز السﻼح
ومما يروى قبل المعركة: * ان اﻷمير مسلط امر نساء الروقه بأن يضعن أحواض مملوءة بالماء لكي يشرب منها الرجال وأمرهن بأن يأخذن العصي ومن يشرب وتسول له نفسه الفرار فعليهن ضربه وتوبيخه كي يرجع لميدان المعركة وكان هذا أجراء أحترازي وتكتيكي من اﻻمير مسلط حيث انه من المستحيل ان يفر احد من اوﻻد روق.
* ان اﻻمير مسلط مر بأحد فرسان الروقه وهو شريف الحيص الثبيتي وقد رآه يعقل ذلوله قال له: (وراك تعقل ناقتك ) قال اباها تشوف فعلي بكره والله ان عاش راسي ياﻻمير اني لذبح ابن سعود) فلم يعبأ به اﻷمير ﻻن اﻷمر أكبر من قتل ابن سعود او غيره فانصرف مسلط ونسي اﻷمر لكن الفارس شريف لم ينس ذلك اﻷمر كما سنرى ذلك ﻻحقا.
* كما أنه يذكر ان الفارس الشيخ مدوخ السليح كان يحمل سيفا هنديا اهدي له من الرعوجي أمير حوطة سدير في وقته والذي تربطه عﻼقة صداقة مع الفارس مدوخ السليح وقد أعطى السليح السيف حقه في المعركة وسقاه من دماء اﻷعداء.
*كان اﻻمير مسلط قد تقدم في العمر وضعف نظره اﻻ انه كان ﻻيزال يحتفظ بقوته وفروسيته ويروى انه عندما اقبلت من بعيد جيوش اﻻمام سعود الجراره الضخمه ورآها رجال الروقه فقال لهم اﻻمير مسلطوينهم عن هاك الضلع الكبير) فقال احدهمياﻻمير هم هاك الضلع اللي تشوفه) فوضع مسلط عصابة على حواجبه ورفعها ثم امتطى صهوة جواده وأنطلق الى ميدان المعركة .*
بداية المعركة:
عند وصول جحافل وجيوش اﻻمام سعود الضخمة الى ارض طﻼل كانوا يعتقدون انهم في نزهه وان اﻻنتصار والغنيمه مجرد وقت ليس أﻻ ,وكان يصاحب جيوشهم عبيد لﻼمام سعود وخدم يقرعون طبول الحرب لترهيب الروقة,وكان الوقت قبل طلوع الشمس و في لحظة دخولهم ساحة المعركة تلقفهم اوﻻد روق بجيش تحت قيادة اﻻمير مسلط في ميمنته الشيخ الضيط وقبائل مزحم وعن ميسرته قبائل طلحه وبعدها بدأ اﻻشتباك وانقض اﻻد روق على اعدائهم واستبسلوا في القتال وفي خضم اﻻشتباك كانت كثرة جيش ابن سعود وتماسكه تمثل عقبة ولكن هيهات فﻼ عقبات امام اﻻد روق حيث انطلق الفارس مدوخ السليح الثبيتي فارس طﻼل اﻷول في اتجاه عمق الجيش محاوﻻ خلخلت صفوف العدو وقد استطاع اختراق الجيش المكون من ثمانية آﻻف وتغلغل فيه وحصد أرواح الرجال تاركن ورائه عشرات القتلى وعندما اراد الكره مرة اخرى انضم اليه الفارسان ذعار بن صﻼل بن ربيعان وفارس الجﻼوي بن ربيعان وكانا في مقتبل العمر فلما رآهم السليح يريدان الكر معه قال لهم تراهم يبون يفتحون لنا درب يا عيال) وفعﻼ تخلخل الجيش وفتحوا لهم درب لكن هذا لم يفدهم بشي حيث ان فرسان روق الثﻼثة ارخوا سيوفهم في رقاب اﻷعداء وقاموا باﻷختراق والقتال و رؤوس الرجال تتطاير في الهواء فكانوا أبرز الفرسان , يقول شليويح في هؤﻻء اﻻبطال: يامسوي الفنجال عده لمدوخ...... واثنه ﻷبن صﻼل والجﻼوي وبعد ذلك انهارت جيوش اﻻمام سعود وازدادت بسالة الروقة واثخنوا في اعدائهم حيث ان فرسان المزاحمه اﻷشاوس ابلوا بﻼء عظيم يتقدهم اهل عمهوج وجندلوا الفرسان المغاوير كما كان يفعل عنتر او سالم الزير يقول شليويح فيهم:
نخيت مزحم سعد منهم ربعه....... يوم اللقا زادوا ورا الهقاوي*
كما ان فرسان طلحة كانوا جميعهم في أوج تألقهم وقاتلوا بضراوة حيث انهم ابادوا العشرات تاركيهم كأنهم خشب مسندة يقول فيهم شليويح: كن الجنايز في نحاوي طلحه .......جدع الخشب فالوادي السناوي*
وكانت عطفة الروقة تركبها مضاوي ومضاوي هذه هي بنت الدويش لكن اخوالها هم الرباعين وهي متربية مع امها عند الرباعين وعتيبة وكانت غالبا ماتركب العطفة , ومعروف ان العطفة عبارة عن هودج مغلق فوق الناقة وفي اثناء احتدام المعركة وعندما حمي الوطيس كانت مضاوي تسمع العزاوي والصيحات وهي محجوبة في الهودج عما حولها وقد توجست في نفسها خيفه متصورة بأن الغلبة للخصوم على الروقه عندها كشفت مضاوي غطاء الهودج لترى مايحدث وهي تستصرخ اوﻻد روق وتنخاهم وتحثهم على اﻷقدام وقد كانوا عند حسن ظنها , يقول شليويح: