بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه سيرة مختصرة للشيخ العلامة محمد بن مقرن بن سند الودعاني الدوسري نقلتها لكم هنا لتعم الفائدة.
ذكر الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن بسام في كتابه " علماء نجد خلال ثمانية قرون" ص 393-399 أن " الشيخ محمد بن مقرن يجتمع مع أهل بلدة الشماسية الواقعة في شرقي القصيم في جدهم سابق بن حسن ، جد السفير السعودي فوزان السابق ، وقد ولد الشيخ في قرية (دقلة) إحدى قرى المحمل ، في شمال الرياض ، فلما شب انتقل هو وأبناء عمه إلى محل (القرينة) فأنشأها ، وهي البلدة الواقعة بالشعيب (بلدة حريملاء) وانتقالهم إلى القرية وإنشاؤهم لها عام 1222هـ
وقد نشأ محبا للعلم مولعاً به ، وكانت الدرعية عاصمة الجزيرة في ذلك الوقت تموج بالعلم والعلماء ، فرحل ووجد فيها طِلْبته فعكف على نهل العلم الصحيح من معينه ، فقرأ على أبناء الشيخ محمد بن عبدالوهاب –رحمه الله - ، وأشهرهم وأعلمهم الشيخ عبدالله بن محمد ، وقرأ على غيرهم من علماء الدرعية كالشيخ حمد بن معمر والشيخ عبدالعزيز الحصين.
وصادف هذا الجو العلمي استعداداً فطرياً لديه ، ورغبة ملحة عنده فحصل في وقت قصير علماً كثيراً فعينه الإمام سعود بن عبدالعزيز قاضياً في بلدان الشعيب والمحمل ، وعاصمة بلدان الشعيب (حريملاء) وهي قريبة من قريته وقرية عشيرة : بلدة القرينة . فصار تارة يأتيه الخصوم في قريته ، وتارة يأتونه إلى حريملاء ، وإذا جاء إلى حريملاء جلس يدرس الطلبة دروساً عامة على الناس ، وقد انتفع به خلق كثير.
وكذلك أرسله الإمام سعود إلى بلاد عسير قاضياً عند أميرها (أبو نقطة) ، ثم أرسله إلى عمان ، وأصلحهم الله على يديه بعد خلاف نشب بينهم ، ولما قام الإمام تركي بن عبدالله بتجديد الدعوة وإعادة الحكم مرة ثانية قربه وجعله من مرافقيه ومستشاريه الخاصين ، لما هو عليه من حسن الرأي وبعد النظر.
ومن مشاهده التي حضرها حروب بلدان سدير وحصار المجمعة ، ثم تم الصلح مع أهلها في عام 1239هـ ، ثم إن الإمام تركي عينه في هذا العام قاضياً على بلدان المحمل وبلد حريملاء ، فباشر العمل ثم أنشأ بلدة القرينة المجاورة لحريملاء بالبناء والغرس ، وسكنها وصارت أكثر إقامته فيها.
ولما استولى خالد بن سعود على الحكم بمساعدة الجيش التركي الذي يقوده خورشيد باشا عام 1255هـ ، رمي الشيخ محمد بن مقرن عنده بأنه من أعوان فيصل بن تركي الذي يريد تطهير نجد من الجيش العثماني الغازي ، فأرسل إليه وقدم عليه في الرياض ، وأنزله في بيت عنده ، فلما قدم القائد خورشيد الرياض أخذه معه في مسيره من الرياض إلى الخرج ، فلم يزل معه حتى وقع الصلح بين العساكر التركية والإمام فيصل باستيلاء الأتراك على البلاد باسم خالد بن سعود ، ورحل الإمام فيصل وحاشيته إلى مصر.
ولما رأى الباشا رجاحة عقله ، وبعد رأيه ، وسعة علمه ، أكرمه غاية الإكرام وعزم عليه بالقضاء فتعذر منه بأعذار قبلها ثم أذن له بالرجوع إلى بلاده في المحمل . ولما أجلى الأمير عبدالله بن ثنيان الأتراك عن نجد ، وأعاد الحكم السعودي فيها قرب الشيخ فوجده عالماً عاقلاً فجعله مستشاراً فحظي عنده وصار لا يسلك جهة إلا وهو معه ولا يقطع أمراً دونه ، فلما عاد الإمام فيصل من مصر واستعاد الحكم مرة أخرى أكرم الشيخ ابن مقرن ، وأرسله قاضياً في الأحساء في وقت الموسم فأصيب بحمى مما تقطن في بلاد الغيول والمستنقعات ، فعاد مريضاً ومات من مرضه.
والقصد أن المترجم له في جميع أعماله التي قام بها أداها بجدارة ومهارة ونزاهة وعفة ، وصار مقرباً عند جميع الحكام الذين عمل في عهدهم على اختلاف اتجاههم ، ووجدوا فيه الأمانة والعلم والعقل وبعد النظر.
وفاته:
عاد – رحمه الله – من قضاء موسم القطيف محموماً فلم يزل به المرض حتى توفي في مطلع عام 1267هـ
قال ابن بشر في "عنوان المجد" في حوادث عام 1267هـ (وفي أول هذه السنة توفي العالم الفقيه اليقظ النبيه ، ذو العقل الراجح والرأي الصائب ، مفيد الطالبين ، وأحد الفقهاء المدركين ، ممن قد اشتهر فضله وسيرته ، وترجع ملوك عصره إلى مشورته ، الشيخ القاضي محمد بن مقرن)
وخلف ثلاثة أبناء : عبدالله ، وعبدالعزيز ، وعبدالمحسن. وقد رأيت رسالة تعزية لهم من المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر جاء فيها : ( من عثمان بن بشر إلى المكرمين : عبدالله وعبدالعزيز وعبدالمحسن ، أبناء المرحوم الشيخ محمد بن مقرن ، وبعد : فقد بلغ مُحبكم ما أسهر جفونه ، وأجرى عيونه من وفاة الشيخ العالم الجليل والحبر الأصيل ، نادرة الأعيان ، وأعجوبة الزمان ، وأوفى الإخوان صداقة ومودة ، وخيرة تحنَّناً ومحبة .. – إلى أن قال – فما مات من خلَّفكم ، ولا غاب عن أهله من استخلفكم ، فالله الله في خلف العم ...) إلى آخر الرسالة ، انتهى ما ذكره الشيخ ابن بسام بتصرف بسيط