قال الرقاشي:
كان الخليفة العباسي أبو العباس السفاح يعجبه مسامرة الرجال،وإني سمرت عنده ذات ليلة فقال:
يا رقاشي ،أخبرني بأظرف ما سمعته من الأحاديث . فقلت: يا أمير المؤمنين،وان كان في بني هاشم؟ قال الخليفة: ذلك أعجب إليّ.قلت يا أمير المؤمنين ،نزل رجل من تنوخ(قبيلة) بحيّ من بني عامر بن صعصعة ،فجعل لا يحطّ شيئاً من متاعه الا تمثّل بهذا البيت:
لعمرك ما تبلى سرائر عامرٍ=من اللؤم ما دامت عليها جلودها
فخرجت إليه جارية من الحي،فحادثته وآنسته،وسألته حتى أنس بها ، ثم قالت:
مِمّنْ أنت مُتّعْتُ بك؟! فقال: رجل من بني تميم .فقالت : أتعرف الذي يقول:
تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا=ولو سلكت سبل المكارم ضلتِ
ولو أن برغوثاً على ظهر قملةٍ=يكرُ على جمعي تميمٍ لولّتِ
ذبحنا فسمّينا فتمّ ذبيحنا=ولم تذبح يوماً تميم فسمّتِ
أرى الليل يجلوه النهار ولا أرى=عظام المخازي عن تميمٍ تجلّتِ
فقال: لا والله ما أنا منهم.
قالت: فممّن أنت؟
قال: رجل من عِجل(قبيلة).
قالت أتعرف الذي يقول:
أرى الناس يعطون الجزيل وإنّما =عطاء بني عجلٍ ثلاث وأربعُ
إذا مات عجليٌ بأرضٍ فإنّما=يشق له منه ذراعٌ وإصبعُ
قال :لا والله ما أنا من عجل
قالت:فممن انت؟
قال:رجل من بني يشكر
قالت: أتعرف الذي يقول:
إذا يشكريٌ مسّ ثوبك ثوبه=فلا تذكرنّ الله حتى تطهرا
قال:لا والله ما أنا من يشكر
قالت : فممّن أنت؟
قال: رجل من بني عبد القيس:
قالت: أتعرف الذي يقول:
رأيت عبدالقيس لاقت ذلاّ=إذا أصابوا بصلاً وخلاّ
ومالحاً مصنعاً قد طلاّ=باتوا يسلون النساء سلاّ
قال:لا والله ما أنا من عبدالقيس.
قالت :فممّن أنت؟
قال:رجل من باهلة
قالت :اتعرف الذي يقول:
إذا ازدحم الكرام على المعالي=تنحى الباهليُّ عن الزحامي
فلو كان الخليفة باهلياً=لقصّر عن مناوأة الكرامي
وعِرض الباهلي وان توقّى=عليه مثل منديل الطعامي
قال :لا والله ما أنا من باهلة
قالت: فممن انت؟
قال: رجل من بني فزارة.
قالت: أتعرف الذي يقول:
لا تأمن فزارياً خولت به=على قلوصك واكتبها بأسيارِ
لا تأمن فزارياً على حمرٍ=بعد الذي امتلّ أير العير في النارِ
قومٌ إذا استنبح الأضياف كلبهم=قالوا لأمهمٍ:بولي على نار(*)
ملاحظة
أعظم بيت في الهجاء لجرير بن عطيه
قال : لا والله ما أنا من فزارة
قالت / فممن أنت؟
قال : انا رجل من ثقيف.
قالت : أتعرف الذي يقول
أضلّ الناسبون أبا ثقيفٍ=فما لهم أبٌ إلا الضلالُ
فإن نُسبتْ أو انتسبتْ ثقيفٌ=الى أحدٍ فذاك هو المحالُ
خنازير الحشوش فقتّلوها=فإن دماءها لكم حلالُ
قال: لا والله ما أنا من ثقيف.
قالت: فممن أنت؟
قال :رجل من بني عبس.
قالت:أتعرف الذي يقول:
اذا عبسيةٌ ولدت غلاماً=فبشرها بلؤمٍ مستفادِ
قال:لا والله ما انا من عبس.
قالت:فممّن انت؟
قال:رجل من ثعلبة.
قالت :اتعرف الذي يقول:
وثعلبة بن قيسٍ شرُ قومٍ=وأئلمهم وأغدرهم بجارِ
قال: لا والله ما أنا من ثعلبة.
قالت: فممن أنت؟
قال : رجل من غنىً
قالت:اتعرف الذي يقول:
إذا غنوية ولدت غلاماً=فبشرها بخيّاطٍ ميجدِ
قال:لا والله ما انا من غنىً.
قالت:فممن انت؟
قال: رجل من بني مرّه(من عدنان)
قالت:أتعرف الذي يقول:
إذا مرّيةٍ خضبت يداها=فزوجها ولا تأمن زناها
قال:لا والله ما أنا من بني مرّه
قالت : فممن انت؟
قال: رجل من بني ضبّه
قالت أتعرف الذي يقول:
لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبرٍ=كما كل ضبّيٍ من اللؤمِ أزرقُ
قال:لا والله ما أنا من بني ضبة.
قالت:فممن أنت؟
قال:رجل من بجيلة.
قالت: أتعرف الذي يقول:
سألنا عن بجيلة حين حلّتْ=لنخبر أين قرّ بها القرارُ
فما تدري بجيلة حين تدعى=أقحطان ابوها ام نزارُ
فقد وقعت بجيلة بين بينٍ=وقد خلعت كما خلع العذارُ
قال:لا والله ما انا من بجيلة
قالت : فممن أنت ويحك؟
قال: رجل من بني الأزد
قالت: أتعرف الذي يقول:
إذا أزدية ولدت غلاماً=فبشرها بملاّح مجيد
قال: لا والله ما أنا من الأزد.
قالت:فمّمن أنت ويلك؟!أما تستحي؟!قل الحق.
قال: أنا رجل من خزاعة.
قالت: اتعرف الذي يقول:
اذا افتخرت خزاعة في قديمٍ=وجدنا فخرها شرب الخمور
وباعت كعبة الرحمن جهراً=بزقٍ،بئس مفتخر الفخور
الزق:الإناء الذي يوضع به الماء او الحليب.
ملاحظة :ولاية البيت كانت لخزاعه ويقال ان حليل من خزاعه باع مفاتيح الكعبة لقصي بن كلاب بزق من الخمر
قال: لا والله ما أنا من خزاعة.
قالت : فممن أنت؟
قال: رجل من سليم.
قالت: اتعرف الذي يقول:
فما لسُليم شتّت الله أمرها=(---) بأيديها وتعيا أيورها
قال:لا والله ما أنا من سليم
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من لقيط.
قالت : اتعرف الذي يقول:
لعمرك ما البحار ولا الفيافي=بأوسع من فقاح بني لقيطِ
لقيطٌ شرّ من ركب المطايا=وأنزل من يدبّ على البسيطِ
ألا لعن الإله بني لقيطٍ=بقايا سبيّةٍ من قوم لوطِ
قال:لا والله ما أنا من لقيط
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من كندة
قالت: أتعرف الذي يقول:
اذا ما افتخر الكنديُ=ذو البهجة والطرّه
فبالنسج وبالخف=وبالسدل وبالحفره
فدع كندة للنسج=فأعلى فخرها عرّه
قالت : لا والله ما أنا من كندة
قالت :فممن أنت؟
قال : رجل من خثعم
قالت : اتعرف الذي يقول:
وخثعم لو صفّرت بها صفيراً=لطارت في البلادِ مع الجرادِ
قال: لا والله ما انا من خثعم.
قالت : فممن انت؟
قال : رجل من طيء
قالت : اتعرف الذي يقول:
وما طيء الا نبيط تجمّعت=فقالت طياناً كلمة فاستمرتِ
ولو أن حرقوصاً يمد جناحه=على جبلي طيٍ إذا لا ستظلتِ
قال: لا والله ما أنا من طيء
قالت : فممن أنت ؟
قال: رجل من مُزينة
قالت: اتعرف الذي يقول:
وهل مُزينة إلا من قبيلة=لا يرتجى كرم فيها ولا دينُ؟
قال: لا والله ما انا من مزينة.
قالت : فممن انت
قال: رجل من النخع.
قالت : اتعرف الذي يقول:
اذا النخع اللئام غدوا جميعاً=تأذى الناس من وفر الزّحام
وما تسمو الى مجدٍ كريمٍ =وماهم في الصميم من الكرام
قال: لا والله وما انا من النخع.
قالت : فممن انت؟
قال: رجل من أود
قالت: اتعرف الذي يقول:
اذا نزلت بأودٍ في ديارهم=فاعلم بأنك لست بالناجي
لا تركنن الى كهل ولا حدثٍ=فليس في القوم الا كل عفّاجي
قال: لا والله ما انا من أود.
قالت : فممن أنت؟
قال: أنا رجل من لخم.
قالت اتعرف الذي يقول:
اذا ما انتمى قوم لفخر قديمهم=تباعد فخر القوم من لخم أجمعا
قال: لا والله ما أنا من لخم .
قالت : فممن أنت؟
قال: أنا رجل من جذام.
قالت : اتعرف الذي يقول:
اذا كأس المدام أدير يوماً=لمكرمة تنحّى عن جذامِ
قال: لا والله ما أنا من جذام
قالت: فممن أنت ويلك؟!! أما تستحي ؟ أكثرت من الكذب.
قال: أنا من تنوخ(وهو الحق).
قالت : اتعرف الذي يقول:
اذا تنوخ قطعت منهلاً=في طلب الغارات والثارِ
آبت بخزيٍ من إله العلا=وشهرةٍ في الأهلِ والجارِ
قال : لا والله ما انا من تنوخ.
قالت : فممن أنت ثكلتك أمك؟!
قال : انا رجل من حِميرْ.
قالت: اتعرف الذي يقول:
نبّئت حمير تهجوني فقلت لهم:=ما كنت أحسبهم كانوا ولا خُلقوا
لأن حِمير قومٌ لا نصاب لهم=كالعود بالقاع لا ماء ولا ورقُ
لا يكثرون وان طالت حياتهمُ=ولو يبولُ عليهم ثعلبٌ غرقوا
قال: لا والله ما أنا من حِمير.
قالت : فممن أنت؟
قال: رجل من يُحابر
قالت: اتعرف الذي يقول:
ولو صرّ صرّار بأرض يُحابرٍ=لماتوا واضحوا في التراب رميما
قال: لا والله ما انا من يُحابر
قالت : فممن انت؟
قال: رجل من قُشير.
قالت : اتعرف الذي يقول:
بني قُشير قتلت سيدكم=فاليوم لا فديةٌ ولا قَوَدُ
قال: لا والله ما أنا من قشير.
قالت : فممن أنت ؟
قال: رجل من بني أمية.
قالت: اتعرف الذي يقول:
وهي من أميّة بنيانها=فهان على الله فقدانها
وكانت أميّة فيما مضى=جريءٌ على الله سلطانها
فلا آل حربٍ اطاعوا الرسول=ولم يتق الله مروانها
قال: لا والله ما انا من بني أمية.
قالت : فممن انت؟
قال: رجل من بني هاشم.
قالت : اتعرف الذي يقول:
بني هاشمٍ عودوا الا نخلاتكم=فقد صار التمر صاعاً بدرهمِ
فإن قلتمُ رهط النبيّ محمدٍ=فإن النصارى رهط عيسى ابن مريمِ
قال: لا والله ما انا من بني هاشم.
قالت : فممن أنت؟
قال : رجل من همدان
قالت : أتعرف الذي يقول:
اذا همدان دارت يوم حربٍ=رحاها فوق هامات الرجالي
رأيتهم يحثّون المطايا=سراعاً هاربين من القتالي
قال: لا والله ما انا من همدان.
قالت : فممن انت؟
قال: رجل من قضاعه.
قالت: اتعرف الذي يقول:
لا يفخرنّ قضاعيٌ بأسرته=فليس من يمنٍ محضاً ولا مضرِ
مذبذبين فلا قحطان والدهم=ولا نزار فخلّوهم الى سقرٍ
قال: لا والله ما انا من قضاعه.
قالت : فممن انت؟
قال: رجل من شيبان.
قالت : اتعرف الذي يقول:
شيبان قومٌ لهم عديدٌ=فكلّهم مقرفٌ لئيم
مافيهم ماجدٌ حسيبُ=ولا نجيبٌ ولا كريمُ
قال: لا والله ما انا من شيبان
قالت: فممن انت.
قال: رجل من بني نُمير.
قالت: أتعرف الذي يقول:
فغض الطرف انك من نميرٍ=فلا كعباً بلغت ولا كلابا
فلو وضعت فقاح بني نميرٍ=على خبط الحديد اذاً لذابا
قال: لا والله ما أنا من نمير.
قالت: فممن انت ؟
قال: انا رجل من تغلب.
قالت: اتعرف الذي يقول:
لا تطلبن خوؤلة في تغلبِ=فالزنج أكرم منهم أخوالا
والتغلبيّ اذا تنحنح للقرى=حك استه وتمثّل الأمثالا
قال: لا والله ما انا من تغلب.
قالت: فممن أنت.
قال: رجل من الموالي.
قالت: اتعرف الذي يقول:
ألا من أرد الفُحش واللؤم والخنا=فعند الموالي الجيدُ والطرفان
قال: أخطأت نسبي ورب الكعبة , انا رجل من الخوز.
قالت : اتعرف الذي يقول:
لا بارك الله ربي فيكمُ ابداً= يا معشر الخوز إنّ الخوز في النارِ
قال: لا والله ما أنا من الخوز.
فقالت : ممن أنت
قال: رجل من ولد الشيطان الرجيم.
قالت: لعنك الله ولعن أباك الشيطان معك, أتعرف الذي يقول:
ألا يا عباد الله هذا عدوكم=وهذا عدوالله ابليس فاقتلوا
فقال لها: هذا مقام العائذ بكِ.
قالت : قمْ فارحل خاسئاً مذموماً،واذا نزلت بقوم فلا تنشد فيهم شعراً حتى تعرف من هم ، ولا تتعرض للمباحث عن مساوئ الناس، فلكل قومٍ إساءة وإحسان,إلا رسول رب العالمين، ومن اختاره الله على عباده،وعصمه من عدوه،وأنت كما قال جرير للفرزدق:
وكنت اذا حللت بدار قومٍ=رحلت بخزيةٍ وتركت عارا
فقال لها: والله لا أنشدت بيت شعر أبداً.
فقال الخليفة السفاح:
لئن كنت عملت هذا الخبر ونظمت فيمن ذكرت هذه الأشعار فلقد أحسنت ، وانت سيّد الكاذبين ، وانت كان الخبر صدقاً وكنت فيما ذكرته محقاً فان هذه الجارية العامرية لمن احضر الناس جواباً وابصرهم بمثالب الناس.