وكانت أحد هذه الحملات بقيادة وزير والي بغداد وبقوات ضخمه وهزمها حاكم مملكة المنتفق هزيمة كبيرة ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي , في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين, حوادث سنة 1103 هـ - 1691م , متحدثا عن الوزير أحمد باشا البازركان , المجلد الخامس , ص 156 ((( وهذا الوزير أرسل كتخداه بجم غفير الى مانع شيخ المنتفق فعاد بمغلوبية فاحشة ))). وطوال العامين 1692م و1693م دخل الأمير مانع بن شبيب في مواجهات عسكرية متعددة مع حملات ولاة بغداد العسكرية ، وانتصر فيها كلها وقتل بعض قادتها وأسر آخرين ، حتى أصبحت هزيمته حلما يراود كل القادة والولاة العثمانيين في المنطقة. وكانت ولاية البصرة قد أسندت الى حسن آغا (نائب والي بغداد) على أن يسير للمدينة وينتزعها من حاكم مملكة المنتفق الأمير مانع بن شبيب ، الا أن حسن آغا خسر كل مواجهاته العسكرية مع الأمير مانع ولم يتمكن من دخول المدينة ، يذكر مؤرح العراق الكبير عباس العزاوي , في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين, حوادث سنة 1104هـ - 1692م ( حوادث البصرة ) ، عند حديثه عن والي البصرة , المجلد الخامس , ص 158 ((( عهد بالولاية الى كتخداه حسن آغا ومنح طوغين الا أن مانعا شيخ المنتفق حاربه كثيرا))).
تخلل هذه المواجهات فتح الدولة العثمانية لجبهة أخرى ضد مملكة المنتفق وذلك بطلب العون من دولة بني خالد في شرق الجزيرة العربية وهو ماسوف يأتي الحديث عنه في القسم التالي.
7- طلب الدولة العثمانية العون العسكري من دولة بني خالد ضد مملكة المنتفق:
كانت دولة بني خالد (دولة آل حميد) في الأحساء (شرق الجزيرة) في تلك الفترة هي ثاني أقوى الدول الإقليمية في داخل الجزيرة العربية بعد دولة الأشراف في الحجاز (غرب الجزيرة العربية) ، لذلك طلبت الدولة العثمانية العون من الدولتين ضد مملكة المنتفق (أولا طلبت العون من دولة بني خالد ولاحقا من دولة الأشراف كما سوف يأتي تفصيله في قسم لاحق من البحث). يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج 3 , ص: 595 , متحدثا عن نفوذ حكام دولة بني خالد ((( في منتصف القرن الثامن عشر كان أمراء الأحساء بعد أشراف مكة ، أقوى أمراء شبه الجزيرة العربية. وكان أمراء العيينة ، مسقط رأس محمد بن عبدالوهاب، وأمراء منفوحة خاضعين لهم ، وفي الشمال كانت الكويت تابعة لهم ، وكانت عنزة بزعامة ابن هذال ، والتي كانت تخيم آنذاك في القصيم ، تقدم لهم المقاتلين عند الحاجة وتلبي دعوتهم للحرب))).
ونظرا لكون دولة بني خالد كانت تمتلك حدود مباشرة مع مملكة المنتفق فقد طلبت الدولة العثمانية (عام 1692م) التعاون من دولة بني خالد لفتح جبهتين ضد مملكة المنتفق بحيث تتقدم قوات دولة بني خالد من جنوب مملكة المنتفق وتتقدم القوات العثمانية من شمال مملكة المنتفق حتى يسهل تشتيت قوات الأمير مانع بن شبيب بين جبهتين وبالتالي يمكن إستعادة مدينة البصرة منه. قاد تحرك قوات بني خالد الأمير براك بن ثنيان وهو أحد المرشحين الأقوياء لحكم دولة بني خالد ، إلا تحالف الدولتين (العثمانية ودولة بني خالد) أدى الى خسائر كبيرة للطرفين ، حيث خسرت الدولة العثمانية أمام مملكة المنتفق على الجبهة الشمالية ... بينما خسرت قوات دولة بني خالد على الجبهة الجنوبية وقتل قائدها الأمير ثنيان بن براك ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 356 ((( بوفاة محمد تولى ابنه سعدون المرشح الأول للزعامة الخالدية مقاليد الحكم دون أي معارضة لاسيما أن ثنيان بن براك أحد المرشحين الأقوياء لتولي تلك الزعامة الخالدية كان قد قتل قرب البصرة أثناء قيادته لقوات بني خالد في صراعها مع المنتفق سنة 1103هـ / 1692م ))). ويشيرعبدالكريم المنيف الوهبي الى أن سبب هذه المعركة هو طلب العثمانيين من دولة بني خالد العون العسكري، وذلك في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 391 (((فمن المستبعد أن ينسى بنوخالد هزيمتهم على يد مانع ومقتل ثنيان بن براك ، ولأن هذا الصراع كان سببه محاولة بني خالد القضاء على تمرد مانع بتحريض من سلطات البصرة العثمانية ))).
ملاحظة: سقطت دولة بني خالد (دولة آل حميد) بعد أكثر من مائة سنة من الفترة التي يغطيها هذا البحث ، وذلك على يد الدولة السعودية الأولى (عام 1208هـ - 1794م) عندما ضم حاكم الدولة السعودية الأولى الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود الأحساء الى دولته وعين كوالي عليها (اسميا) الأمير براك من آل حميد ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد،أحداث سنة 1208هـ ، ج:1 ، ص: 206 (((زالت ولاية آل حميد المستقلة لهم في الأحساء والقطيف ونواحيها ، لأن ولاية براك هذه كانت لعبدالعزيزبن محمد بن سعود))).
8- قوات مملكة المنتفق تكسر حملة عثمانية كبيرة وتخلع بدلات الإنكشاريين – أشرس القوات العثمانية:
بعد فشل التعاون العسكري بين العثمانيين ودولة بني خالد ضد مملكة المنتفق ، أمر الخليفة العثماني بتجهيز حملة كبيرة أخرى تكون بقيادة خليل باشا الذي عينه لولاية البصرة وأسند له مهمة إنتزاع المدينة. وتكونت هذه الحملة من قوات ولاية بغداد والموصل وشهرزور وديار بكر ، يذكر علي ظريف الأعظمي ، في كتابه مختصر تاريخ البصرة ، ص: 154 ((( فجمع خليل جيشا من بغداد وجائت اليه الجيوش نجدة من الموصل وشهرزور بأمر من السلطان لقتال أمير المنتفك مانع))). وقد تحركت الحملة بإتجاه مدينة البصرة وخرج حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب للتصدي للحملة وأصطدم بها في منطقة الجزائر في مملكة المنتفق ، وأستمرت المعركة عدة أيام في شهر رمضان ، وأنتهت الحملة بهزيمة كبيرة للعثمانيين وأصبحت قوات الحملة مابين مصاب وقتيل ، وهرب العثمانيين إلى بغداد وبعضهم فقد صلته بالآخرين وهرب لمدينة البصرة ، وأصبحت سفن التجار الذين رافقوا الحملة غنائم لمملكة المنتفق ، وعاد خليل باشا الى بغداد مكسورا ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي , في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين, حوادث سنة 1104هـ - 1692م , حوادث البصرة, المجلد الخامس , ص: 158 ((( ثم عهد الى الوزير خليل باشا أخي أحمد البازركان بإيالة البصرة فسمع مانع بذلك فتأهب للطوارىء ، وللإستيلاء على المدينة وتسليمها الى الوزير الجديد جعل والي بغداد أحمد باشا قائدا وأن يكون في صحبته ولاة كركوك والموصل ومقدار من جيش ديار بكر فوصلوا , قابلهم الشيخ مانع في جزائر البصرة فدامت المعركة بضعة أيام , وبالنتيجة في سلخ شهر رمضان انهزم الباشا وانكسر جيشه , وحينئذ انتهب العربان ما معهم من معدات حتى النقود وصارت سفن كثير من التجار غنائم . فهلك قسم من العسكر والقسم الأخر فر الى البصرة وبعضهم ورد بغداد مجروحا مسلوبا. وبهذه الحالة عاد خليل باشا الى بغداد ولم ينل مأربا))).
وكانت هذه الحملة العثمانية قد تم دعمها بقوات الإنكشاريين (أشرس القوات العثمانية) وقد قام رجال قبائل المنتفق بعد هزيمتهم للعثمانيين بإنتزاع بدلات الإنكشاريين ولبسها ، ودخلت قوات مملكة المنتفق إلى مدينة البصرة وهي ترتدي بدلات هذه القوات العثمانية مما شكل إهانة للعثمانيين أمام القوى الدولية المتواجدة في البصرة تجاريا ( مثل بريطانيا العظمى وهولندا والدولة الفارسية وغيرها ) وهذا ما ضاعف من تأثير الخسارة وأجبر العثمانيين على طلب التفاوض (كما سوف يأتي في القسم التالي من البحث) ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث , عند حديثه عن نزع بدلات القوات الإنكشارية ، ص: 150 ((( فاشتبكت الحملة مع الجيش القبائلي في منطقة الجزائر. وهنالك خذلت وتفرق الجيش ، ونزع رجال القبائل الخشن بدلات الإنكشاريين))).
9- مخاطبة الخليفة العثماني لحاكم مملكة المنتفق والدفع ماليا له مقابل ترك البصرة بعد هزيمة القوات العثمانية وإهانتها:
كان تأثير نزع بدلات الإنكشاريين أشرس قوات الدولة العثمانية كبيرا وحمل إهانة قاسيه للدولة العثمانية خصوصا بعد دخول قوات مملكة المنتفق للبصرة مرتدين بدلات هذه القوات أمام القوى الدولية المتواجدة في البصرة ، لذلك بدأت الدولة العثمانية في وضع اللائمة على ولاتها لتعديهم على سكان البصرة وهو ما تسبب في التحركات العسكرية لحاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب وتسبب في ضمه لمدينة البصرة عسكريا لدولته. يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي , في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين, حوادث سنة 1104هـ - 1692م , حوادث البصرة , المجلد الخامس , ص: 158 ((( وهذه الواقعة عرضت تفاصيلها الى الدولة فوجهت لائمتها على الولاة وان تعدياتهم اضطرت الشيخ مانعا أن يقوم في وجه الحكومة فارتكب ماارتكب))). وبناء على إعتراف الدولة العثمانية بخطأ ولاتها فتحت باب التفاوض مع حاكم مملكة المنتفق ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو, ج3, ص: 595 ((( وبعد فشل محاولة لإستعادة المدينة بالقوة لجأ العثمانيون الى التفاوض))).
وقد وافق الأمير مانع بن شبيب على التفاوض ولكن وفق شروطه ، ورحبت الدولة العثمانية بذلك وتعهدت بإعفائه من أي مطالبات مقابل فقط أن يعد الدولة العثمانية بالولاء مستقبلا، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، ص: 151((( وأعقب مانع انتصاره هذا باقتراح شروط للهدنة ، فأعفي من كل شيء بشرط أن يعد الدولة بالولاء في المستقبل))). لكن الأمير مانع بن شبيب طلب مقابل مالي مستمر مقابل التخلي عن المدينة ، وقد أشارت بعض المراجع التاريخية الى أن مانع بن شبيب كان يستلم فعليا قبل هذه الأحداث مخصصات مالية تتعلق بمدينة البصرة وأنه طلب زيادتها وهذه المخصصات يبدو أنها كانت تدفع بعد مساعدة مملكة المنتفق للعثمانيين في إخراج أسرة أفراسياب من البصرة قبل ما يقارب ربع قرن من الزمان ( كما ذكرنا في فصل سابق) ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو, ج3, ص: 624 (((وبالفعل وافق مانع على تسليم المدينة للباشا المعين حديثا، لكنه اشترط الحصول لقاء ذلك على حقوق أميرية جديدة))).
وقد وافق الخليفة العثماني على زيادة المبالغ التي تدفع لحاكم مملكة المنتفق الأمير مانع بن شبيب (مقابل التخلي عن المدينة) وذلك بعد أن ارسل له الخليفة خطابا لإستمالته وتحذيره بنفس الوقت ، يذكر علي ظريف الأعظمي ، في كتابه مختصر تاريخ البصرة ، ص: 154 ((( وقوي أمر مانع حتى اضطر السلطان الى إستمالته وكتب اليه كتابا يدعوه فيه الي الطاعة والخضوع وينصحه ويحذره عاقبة الشقاق والخلاف. وأصدر أمره بزيادة مخصصاته فخضع مانع لأمر السلطان وعاد لمقره وهدأت الأحوال))). وبناء على ما تم قام حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب بإعادة المدينة للعثمانيين وسافر لها خليل باشا واستلم ولايتها، إلا أن خليل باشا أعتقد انه يستطيع أن يفعل مايحلو له بالمدينة وسكانها .. وأن حاكم مملكة المنتفق لن يتدخل بعد خطاب الخليفة والعرض المالي ، غير أنه أخطأ التقدير وتم طرده من مدينة البصرة ودخلها حاكم مملكة المنتفق الأمير مانع بن شبيب .. وهذا ما سوف نتحدث عنه في القسم التالي من البحث ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث , ص: 151 ((( وأصبح خليل واليا. غير ان مانعا لم يكن قادرا على امساك نفسه في التهام هذه الفريسة الهينة ، فطرده ثانيه واتخذته البلدة والقبائل واليا))).
يمكن الرجوع الى الملحق الأول في هذا البحث لبعض الإشارات التاريخية حول ماكانت تدفعه الدولة العثمانية لحكام مملكة المنتفق مقابل عدم المطالبة بمدينة البصرة وهو يغطي القرن الثامن عشر وبدايات التاسع عشر، وهو تحت عنوان:
ملحق1: البصرة وماتدفعه الدولة العثمانية تاريخيا لحكام مملكة المنتفق في مقابل عدم المطالبة بها.
10- ضم البصرة لمملكة المنتفق للمرة الثالثة بعد طرد سكانها للوالي العثماني عام 1694م:
بعد عودة مدينة البصرة للعثمانيين قام الوالي العثماني (خليل باشا) بإعطاء الأوامر لأتباعه لإضطهاد سكان المدينة معتقدا بأن الأمير مانع بن شبيب لن يتدخل هذه المرة بين العثمانيين وسكان المدينة وأن العرض المالي وخطاب الخليفة سوف يجعل حاكم مملكة المنتفق يغض الطرف عن ما يحصل لسكان مدينة البصرة ، وقد أدى الظلم الواقع على سكان المدينة الى قيام ثورة كبيرة ضد العثمانيين في داخل مدينة البصرة ، ويبدو أن هذه الثورة كانت بدعم من حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب ، وقد أنتهت الثورة بطرد الوالي العثماني والموظفين العثمانيين ، وقام السكان بتسليم المدينة طوعا الى حاكم مملكة المنتفق ، يذكر علي ظريف الأعظمي ، في كتابه مختصر تاريخ البصرة ، ص: 155 ((( لما صفى الجو لخليل باشا والي البصرة أطلق العنان لأعوانه فأستبدوا بالأمور وظلموا الأهليين واضطهدوهم على مرأى ومسمع منه حتى ضاق الحال بالبصريين فأتفقوا على طرده ، فثاروا عليه وطردوه هو وأعوانه وسلموا المدينة الى أمير المنتفك الشيخ مانع وذلك في سنة 1106 هـ ، والظاهر أن الشيخ مانع هو الذي سبب هذه الثورة ليتسنى له الحكم بالبصرة))). وبذلك أصبحت البصرة عاصمة لمملكة المنتفق مرة أخرى ، يذكر المؤرخ حمد بن لعبون ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، ولد قبل عام 1768م وتوفي عام 1844م، كتاب تاريخ حمد بن محمد بن لعبون ، احداث سنة 1106 هـ ، ص: 303 (((وفيها: ملك مانع بن شبيب البصرة))).
وبعودة المدينة إلى مملكة المنتفق بدأ عهد جديد فيها أستمر لثلاث سنوات متتالية ( وهو ما إضطر الدولتين العثمانية والصفوية للتعاون ضده عسكريا في سابقة تاريخية كما سوف يأتي في فصل لاحق من هذا البحث) ، وقد قام حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب بتوطيد عرى التجارة مع الدول الأجنبية في مدينة البصرة وقام بتأمين المدينة وأسس المشاريع ونظم التجارة فيها وأهتم بأسواقها وشوارعها ، كما قام بدعم الزراعة أيضا. يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه ، بعد حديثه عن توطيد الأمير مانع لعرى التجارة مع الأجانب في مدينة البصرة ، ص:110 ((( أسس المشاريع ووطد الامان ونظم الشوارع والاسواق وشجع الزراعة حتى قيل ان في عهده جاء الهنود بكثرة الى البصرة ، واعتنوا كثيرا بزراعة الموز ، وأصبحت كل دار فيها حديقة تزينه شجرة الموز ، خاصة وان الطقس والماء البصري يساعدان على نمو هذه الشجرة ، فكانت أسواق خليج البصرة وايران وتركيا كلها تشتري الموز البصري))).
ولانعرف تفاصيل أكثر عن أعمال الأمير مانع في البصرة على عكس فترتين لاحقتين إنتزع فيها حكامين لمملكة المنتفق (من ذرية الأمير مانع بن شبيب) مدينة البصرة من العثمانيين، لذلك سوف نخرج عن مسار الموضوع قليلا للحديث عن الفترتين وأهميتهما وعن أبرز أعمال حكام مملكة المنتفق في مدينة البصرة في هاتين الفترتين التاريخيتين ، وذلك للتوضيح للقارىء عن أهمية مدينة البصرة لمملكة المنتفق وحكامها تاريخيا.
10.1- أبرز أعمال حكام مملكة المنتفق في البصرة في فترة لاحقة - عام 1704م:
الفترة الأولى كانت في عهد ابن الأمير مانع بن شبيب الذي يدور حوله هذا البحث ، وهو الأمير الشريف مغامس بن مانع بن شبيب آل شبيب ( عم الأمير سعدون بن محمد بن مانع الذي عرفت الأسره باسمه لاحقا) ، حيث انتزع الأمير مغامس مدينة البصرة من العثمانيين عام 1704م بعد وقوع اختلاف بينه وبين نائب والي البصرة العثماني ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، عند حديثه عن والي البصرة خليل باشا ، ص: 156 (((تنازع نائبه مع رؤساء المنتفك))). والأمير مغامس بن مانع آل شبيب هو الذي واجه الدولة العثمانية عام 1708م بأكبر جيش عربي يقابلهم تاريخيا في العراق والجزيرة العربية ( مائة ألف مقاتل أكثر من نصفهم من القبائل الخاضعه لحكمه المباشر) ، يذكر جيش الأمير مغامس بن مانع .. مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , المجلد الخامس , ص: 206 ((( وكان جمع الأمير مغامس يبلغ نحو مائة ألف أو يزيدون. انتشروا في الصحاري والمواطن المجاورة))). وكان الأمير الشريف مغامس بن مانع بن شبيب آل شبيب قد ضم مدينة البصرة لحكمه لما يقارب 4 سنوات ، وأسس فيها حكم مدنيا وجعلها عاصمة لمملكة المنتفق.
وكانت أبرز أعمال الأمير مغامس في مدينة البصرة هي تعيينه قاضي للشرع (تابع لمملكة المنتفق) وهو الشيخ سلمان، وإنشأؤه للمدرسة المغامسية وأوقافها في مدينة البصرة ، واخذه للرسوم الجمركية على التجار الأجانب الاوربيين وغيرهم، وكان الأمير مغامس بن مانع آل شبيب أيضا قد قام بتوقيع إتفاقية تجارية مع الهولنديين وأخرج الإنجليز (حلفاء العثمانيين في تلك الفترة) من أسواق البصرة في سابقة تاريخية ، وكان ذلك تأكيدا منه على إنهاء أي مظهر لما تبقى من نفوذ العثمانيين في الخليج العربي ، وصدق هذا العقد من قبل قاضي مملكة المنتفق الشيخ سلمان، حيث حضر إليه في 7 تشرين الثاني في عام 1705 م الربان الهولندي (بيتر مكاره Peter Makare) لتوقيع عقد اتفاق تجاري يتعلق بالبواخر الهولندية وبالتجارة بين هولندا ومملكة المنتفق ممثلة بحكومة الأمير مغامس بن مانع آل شبيب في عاصمة مملكة المنتفق في مدينة البصرة. وقد قام الأمير مغامس بن مانع آل شبيب أيضا بتوقيع إتفاقية تتضمن صك حماية للمسيحيين في البصرة ، وهو ما كانوا يحصلون عليه تحت الحكم العثماني الا ان الأمير مغامس زاد على ذلك بإعفائهم من الجزية والخراج في سابقة تاريخية في تاريخ العراق في الحقبة العثمانية ، ويوضح نص الخطاب التالي مظاهر الحكم المدني في مملكة المنتفق في تلك الفترة خصوصا اذا ماعلمنا أن الخطاب صدق من القاضي الشرعي قبل إعتماده. يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، نص خطاب حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مغامس بن مانع بن شبيب آل شبيب لحماية كنيسة الكرمليين والإعفاء من الجزية , موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , المجلد الخامس , ص 196 (((توكلت على الله، تعلمون به الواقفون على كتابنا هذا من كافة خدامنا وعمالنا وضباطنا، بأنا أعطينا حامل الورقة (البادري حنا) على موجب ما بيده من فرمانات أولياء الدولة القاهرة، ومن أوامر الوزراء العظام، والأمراء الكرام، وله منا فوق زيادة الحشمة والرعاية، وقد أسقطنا عن خدامه وترجمانه الجزية والخراج، وكتبنا له هذا الكتاب سنداً بيده يتمسك به لذي الحاجة إليه، وعلى كتابنا هذا غاية الاعتماد، والله تعالى شأنه ولي العباد، وبه كفى.
حُرّر في ثاني وعشرين من شهر رجب الفرد سنة سبعة عشر وماية ألف.
الفقير مغامس آل مانع))).
وهذه صورة الوثيقة التاريخية:
ويمكن الرجوع للبحث التالي لمزيد من التفاصيل حول الإتفاقيات التاريخية لمملكة المنتفق التي تم تصديقها شرعيا من قبل قاضي مملكة المنتفق في عهد الأمير مغامس بن مانع آل شبيب ، أو حول قضاة مملكة المنتفق بشكل عام والذين وصلنا ذكرهم تاريخيا ، ويشمل البحث أيضا المساجد والمدارس والأوقاف التي انشأها حكام مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف منذ القرن الثامن عشر وحتى الحرب العالمية الأولى :
أبرز قضاة وعلماء مملكة المنتفق وأشهر مساجدها ومدارسها وأوقاف حكامها - أسرة السعدون الأشراف
http://www.alduwaser.org/vb/showthread.php?t=63946
10.2- أبرز أعمال حكام مملكة المنتفق في البصرة في فترة لاحقة - عام 1787م:
الفترة الثانية كانت في عهد حفيد الأمير مانع بن شبيب الذي يدور حوله هذا البحث ، وهو حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب ( ابن أخ الأمير سعدون بن محمد بن مانع الذي عرفت الأسرة بإسمه لاحقا) ، وقد بدأت هذه الفترة عندما رأى حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله (عام 1787م) ان الوقت قد حان لإخراج العثمانيين من العراق بأكمله ، وكان ذلك بعد أن استجار به سليمان الشاوي (شيخ قبيلة العبيد قرب بغداد) بعد أن هرب من العثمانيين (الذين كانوا يطاردونه) وطلب الحماية من الأمير ثويني بن عبدالله الذي اجاره ووعده بالحماية الكاملة من العثمانيين.
وقد كان الأمير ثويني بن عبدالله وقتها محاصرا لبلدة بريدة ، وذلك لأن أمير القصيم التابع للدولة السعودية الأولى أغار على قافلة تجارية ضخمة خارجه من البصرة وسوق الشيوخ (عاصمة مملكة المنتفق) وقتل رجالها ونهبها عند وصولها الى منطقته (القصيم) وبذلك أشعل فتيل الحرب في المنطقة كلها . يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 163 ((( وغزا حجيلان بن حمد أمير (القصيم) بأهل بلده وانضمت اليه جماعة من عنزة ، فذكر له أن ثمة قافلة عظيمة خارجة من (البصرة) و (سوق الشيوخ) فرصدهم في الطريق ، الى أن أقبلوا عليه بما معهم من الأموال والأحمال ، فهجم عليهم ، فتقاتلوا حينا ثم انكشفت القافلة وانهزم رجالها . وغنم حجيلان وجماعته ماكان معها من الأموال ، واستاقوا ابلها و أغنامها ، وقتلوا عددا من رجالها ))). وكان نهب القافلة والإعتداء عليها وقتل رجالها من قبل أمير القصيم بمثابة إعلان حرب ، لذلك قام حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب بجمع قوات ضخمه من القبائل والحواضر التابعه له ، حيث بلغ عدد الأبل التي حملت المدافع والبنادق في جيشه 700 بعير ، ولنا ان نتصور كم تكون حمولة الجيش كاملا اذا كان حمولة البنادق والمدافع والذخيره لوحدها 700 بعير ، وسار الأمير ثويني بن عبدالله بجيوشه هذه الى نجد متوجها الى أمير القصيم . يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، أحداث سنة 1201هـ ، ص: 164 ((( وفي أول هذه السنة ، سار ثويني بن عبدالله بجيوشه الكثيرة من (المنتفق) وأهل المجرة وجميع أهل (الزبير) وبوادي شمر وأغلب طيء وغيرهم ومعه من العدد والعدة مايفوق الحصر ، وتجهز بالمدافع والبنادق والقنابل التي تدك الحصون والأسوار))). ويذكر المؤرخ حمد بن لعبون ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية (المعاصر للأحداث) ، ولد قبل عام 1768م وتوفي 1844م، كتاب تاريخ حمد بن محمد بن لعبون ، ص: 552 ((( وفي سنة 1201: في المحرم سار ثويني بن عبدالله آل محمد آل شبيب على نجد بالعساكر والجنود ومعه من القوة والعدد والعدة مايفوت الحصر ، حتى ان حمول زهبة المدافع والبنادق سبعمائة حمل ، ومعه جميع المنتفق ، وأهل الشط ، والمجرة ، والنجادى ، وشمر ، وغالب طيء ، وغيرهم من الخلق ))).
وقد وصل الشيخ سليمان الشاوي الى معسكر حاكم مملكة المنتفق في أثناء الحصار، يذكر الحملة العثمانية التي طاردت شيخ قبيلة العبيد سليمان الشاوي وانسحاب هذا الشيخ والتجاؤه الى حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله عندما كان محاصرا لبلدة بريدة، المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ص: 186 ((( بينا آنفا ان الحملة التي تشكلت بقيادة احمد كيهة، كانت قد واصلت سيرها حتى بلغت المكان الذي تحصن فيه الحاج سليمان وهو المسمى ابيرة، ووقع بينهما صدام خفيف فر على أثره الحاج ومن معه نحو المنتفك والتجأ الى شيخ ثويني، وعلى العادة العربية قبله هذا وتعهد بمساعدته والدفاع عنه))). ولذلك عاد حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله الى مدينة البصرة بقواته عازما على طرد العثمانيين من العراق بأكمله ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث)، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبد الله، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود، القسم المقتطع من خزانة التواريخ النجدية، مختصر الشيخ أمين الحلواني، ص: 281 (((فوصل البصرة، فأخذه الغرور وحدثته نفسه أن يملك العراق أجمع، فحاصر البصرة حتى ملكها))). يذكر دخول حاكم مملكة المنتفق لمدينة البصرة واتخاذه لها كعاصمة لمملكة المنتفق ومقرا لحكومته ، المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث , ص: 244 ((( وارسل ثويني في اليوم التالي قسما من خيالة المنتفك , فدخلت البصرة واستولت على السراي ثم فرقت الحامية وشتت شملها . ومع ذلك كله بقي البلد سالما من الاضطراب الى ان دخل ثويني مع خمسة آلاف من رجاله في اليوم الثالث. فعادت حكومة البصرة عربية قبيلية))).
وقد كان هذا الحدث هو أول إعلان تاريخي لإستقلال العراق بأكمله في العهد العثماني، حيث كانت أسرة السعدون في تلك الفترة تحكم نصف العراق الجنوبي وتتقاسم السيطرة على مدينة البصرة مع العثمانيين بعد أن قامت بتحريرها من الفرس ، بينما كان العثمانيين يحكمون نصف العراق الشمالي. وقد سعى الأمير ثويني بن عبدالله لضم القسمين كلاهما تحت حكمه وطرد الأتراك من العراق بشكل كامل في سابقة تاريخية لم يسبقه اليها أحد ولم يكررها أحد بعده، وأسس أيضا مجلسا استشاريا للحكم لكامل عرب العراق في سابقه تاريخيه أيضا ، وقد أرسل خطابا سياسيا بذلك للخليفة العثماني (خطاب موقع من قبل وجهاء العراق في تلك الفترة وحمله قاضي البصرة الذي كاد يعدم في قصر الخليفة العثماني) ويتضمن هذا الخطاب حفظ كرامة الدولة العثمانية بالإضافة إلى وصول الأمير ثويني بن عبد الله إلى هدفه (طرد العثمانين من العراق)، حيث يشمل قبول الأمير ثويني بن عبد الله بتبعية العراق الجديد الأسمية فقط للدولة العثمانية مقابل أعترافها بحكمه للعراق كله رسميا وبدون أي تواجد عثماني فيه أو الحرب في سبيل طردهم منه. يذكر وصول مفتي البصرة لمقر الخليفة العثماني وهو يحمل هذا الخطاب، العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية، قسم المنتفق، ص: 406 (((فلما وصل (الآستانه) عرضها على أعتاب السلطنة فغضبت غضبا شديدا وكادت أن تأمر بصلب المفتي لولا تدارك بعض العلماء ذلك اكراما للعلم))).
وقد تبع الإعلان معركة فاصلة كبيرة وعنيفة بلغ عدد جنود الطرفين فيها سبعين ألف مقاتل واستخدمت فيها المدافع من الطرفين (مملكة المنتفق و الدولة العثمانية) ، يذكر د. علي الوردي، في كتابه لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج1، ص:177 (((وقعت المعركة الفاصلة بين الفريقين في موقع "أم الحنطة" قرب البصرة، وقد أستخدمت العشائر فيها المدافع))). يذكر المؤرخ جعفر الخياط، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة، عند حديثه عن أهمية المعركة حيث كان يترتب على نتيجتها بقاء أو فناء الوجود العثماني في كل العراق كله ،ص: 217 (((فالتحم الجمعان في موقع يقال له (أم الحنطة). وهناك وقعت معركة عنيفة اشترك فيها سليمان باشا بنفسه، ونزل إلى الميدان منتضيا سيفه، فأخذ يقاتل قتال المستميت، لأن الموقعة كانت من المواقع الحاسمة التي يتقرر فيها مصير المماليك، ويحجز فيها بين بقاء حكومتهم وزوالها من الوجود نفس واحد لاغير. واستقتلت القوات العربية في النضال والطعان، وهي تعرف انها كانت تقاتل من أجل شرف أمتها وعروبتها في عقر دارها))). يذكر المؤرخ الشيخ علي الشرقي ، في كتابه ذكرى السعدون (الصادر عام 1929م) ، عند حديثه عن المخلفات الثمينة لفترة حكم آل سعدون وعن أول من سعى لإستقلال وحكم العراق بأكمله وهو الأمير الشريف ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب (حاكم مملكة المنتفق) ، ص: 31 ((( ايجاد الفكرة العربية وبعث القضية من مرقدها ومحاولة استرجاع الدولة العربية التي كانت معرسه في هذا القطر ، فان اول من استفز للقضية بعد ان دثرت ومزقتها اعمال المغول والتاتار والاتراك والفرس هم آل سعدون ، فأول ساع للبعث و أول دماغ حمل الفكرة الصالحة هو دماغ الشيخ ثويني العبدالله ، فسعى لعقد حلف عربي يتكون من اضلاع ثلاثة عقيل وخزاعة والمنتفق ، تكون غايته طرد الأتراك من العراق و تأسيس دولة عربية ))).
وقد كانت أبرز أعمال حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله في مدينة البصرة كالتالي ، أولا قام بعزل العثمانيين من مناصبهم في المدينة واستبدلهم بعرب قام بتعيينهم بنفسه ، ثم قام بترحيل والي مدينة البصرة العثماني و كبارالموظفين العثمانيين الى الهند مرورا بمدينة مسقط وذلك عن طريق البحر. يذكر ج.ج. لوريمير , في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج: 4 ، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله , ص: 1884 (((وتولى حكم البصرة مستوليا في الوقت نفسه على الاسطول الأيراني. ولم تحدث أية حوادث عنف ، واحترمت الملكية الاحترام الكامل ، لكن المسئولين المدنيين عزلوا من مناصبهم وعين آخرون بدلهم ، كذلك تولى بعض العرب قيادة سفن الأسطول ، ونفي المتسلم ، وكبار أنصاره ، أو لعلهم اختاروا المنفى بإرادتهم ، فنقلوا بحرا الى الهند ))). وكان ترحيل الوالي العثماني وكبار موظفيه قد تم مرورا بدولة عمان التي كان بينها وبين مملكة المنتفق تعاون مشترك في تلك الفترة ، يذكر د. عماد عبدالسلام رؤوف ، في كتاب رحلة القائد العثماني سيدي علي التركي ، وهو الكتاب المتضمن لعدة أبحاث أخرى عن الجزيرة العربية والعراق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، ص: 102 ((( وتكشف الأحداث التالية عن أن نفي ابراهيم أفندي الى مسقط لم يكن وليد اختيار طارئ ، وانما كان ثمرة تنسيق بين آل السعدون أمراء اتحاد قبائل المنتفق والزعماء البوسعيديين في عمان ، وهو تنسيق استمر بين الزعامتين أربعة عقود تالية من السنين في أقل تقدير))).
وقد كان أول ما بدأ به الأمير ثويني بن عبدالله بعد طرد كبار الموظفين العثمانيين هو إنذاره لجنوده بالقتل اذا ماأعتدوا على أحد من السكان أو على أموالهم ، ثم اتصل بالشركات والتجار الأجانب في مدينة البصرة ، وهو ماساهم بإزدهار التجارة التي كانت كاسدة قبل احتلاله لها ، ويعود سبب ازدهار التجارة في البصرة الى خبرة الأمير ثويني السابقة عندما انشأ مدينة سوق الشيوخ (عاصمة مملكة المنتفق) كمركز تجاري في المنطقة وبسبب تخلصه من فساد الولاة والموظفين الأتراك في مدينة البصرة ، يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه , ص : 40 (((فلما دخلها بجيشه اصدر امرا شديدا لرجاله انذرهم فيه بالقتل اذا ما تعرضوا لأحد من السكان او اموالهم ))) ويكمل البازي أيضا عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله ، ص: 40 ((( اتصل بالتجار العالميين كما اتصل بالحكومات والشركات لتزدهر التجارة وذلك لأن تجارة البصرة بعد ايام من احتلاله لها زادت اضعافا مع انها كانت قبل الاحتلال كاسدة ))).
ثم قام الأمير ثويني بن عبدالله بتأسيس مجلس استشاري يساعد على الحكم يكون فيه كبار وجهاء العراق وعلى رأسهم شيخ قبائل الخزاعل وشيخ قبيلة العبيد الذين ساندوه فيما يعتزم القيام به، وهي حالة متقدمه سياسيا تبين تميز هذا الحدث في تاريخ العراق وتدل على أن الأمير ثويني بن عبدالله كان يعي جيدا ماهو مقبل عليه ويعرف اختلاف مكونات سكان العراق ، لذلك أنشأ هذا المجلس هو وحلفائه ليكون خير داعم للمرحلة المقبلة التي ينوي البدء بها، وهي من الأمور التي تحسب لحاكم مملكة المنتفق في تلك الفترة التاريخية. بعد ذلك قام الأمير ثويني بن عبدالله بتعيين الشيخ عبدالوهاب بن محمد بن فيروز التميمي قاضيا للبصرة ، وهو ابن عالم الأحساء الكبير الشيخ محمد بن فيروز التميمي ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري ( المعاصر للأحداث ) ، عند حديثه عن الشيخ عبدالوهاب بن محمد بن فيروز التميمي ، في كتابه سبائك العسجد في اخبار نجل رزق الاسعد ، ص : 96 ((( ورحل الى البصرة وحصل له فيها اتم الشهره وولاه ثويني بن عبدالله زمام احكامها وعرى حلها وابرامها حين تولى عليها ونزع سوار ملك حاكمها من يديها))).
ومن أبرز الأمور التي قام بها أيضا حاكم مملكة المنتفق هو محافظته على الأمن والنظام في مدينة البصرة حيث فتحت المحلات التجارية بعد نصف ساعه من دخوله للمدينة عسكريا وهو مايعني تأييد سكانها لتحركه العسكري وإحترامهم لما يعتزم تنفيذه ، وقام بشق الطرق وتخصيص حرس في خارج المدينة لحماية التجارة والقوافل وشكل قوات بحرية لحماية شط العرب وذلك للمحافظة على الإستقرار أثناء عملية انتقال السلطة والتصدي لكل محاولة لزعزعة الإستقرار من قبل العثمانيين أو الفرس، يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه , ص : 40 ((( والحقيقة أن ثويني قام بعمل عجيب في احتلاله للبصرة حتى تذكر التواريخ بأن الحياة التجارية عادت الى المدينة وفتحت الحوانيت والمحلات التجارية بعد ساعة من احتلال المدينة وكأن روح النظام العسكري العربي قد تجسم في ارواح الجند الفاتحين حتى انهم قاموا بشق الطرق وتوسيع الشوارع وخصص حرس في خارج المدينة لتامين التجارة والقوافل كما خصصت قوات في سفن تجوب مياه شط العرب وفم الخليج لتأمين التجارة البحرية ))). ويذكر أيضا المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه ، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله , ص : 118 ((( وكانت أهم منجزات ثويني هي حفظ الأمن فقد نصب المشانق للسراق وقطاعي الطرق .... ثم أرسل الموظفين الى القرى ليشتروا الحبوب والفواكه والسمن لعرضها في الاسواق بقيمة رخيصة ، كما وانه قبض على رجال البحرية التركية الذين كانوا يساعدون على القرصنة في شط العرب ليقاسموهم الاموال .. ثم حبس بعض هؤلاء الاتراك كما جلد آخرين منهم امام الناس حيث كان يجري الجلد أمام دار الوالي وبحضور أهل المدينة جميعا ... كما صاح المنادي بالسكك والشوارع ان لايغلق أحد بيته ليلا وان من يقبض عليه بعد الساعة التاسعة ليلا يعدم وان السارق يقطع بالسيف ويرمى لحمه للكلاب فكان ان استتب الأمن والاطمئنان فارتفعت اجرة العامل اليومية من قرش الى قرشين وزادت حاصلات البصرة من الحبوب بمقدار مائة طغار على السنين السابقة. ثم وقف رجاله على حدود منطقة البصرة ليأخذوا رسوم الكمارك عن البضائع الداخلة وشدد على رسوم التبغ والمواد غير الضرورية بينما خفض رسوم المواد الضرورية))).
أخيرا ننقل هنا وصفا لهذه الفترة لأحد الأجانب والمعاصر لها ، ينقل المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، عن المستر توماس هاويل ( Thomas Howell) المعاصر للأحداث عند مروره بالبصرة وحديثه عنها وتعجبه مما قام به الأمير ثويني بن عبدالله ومن الإنضباط لجنود حاكم مملكة المنتفق ، ص: 214 ((( وكان الشيخ ثويني – الشيخ العربي القدير – قد استولى عليها في سنة 1787 بتدابيره الصائبة ففاجأ حاميتها واحتل المدينة من دون مقاومة . والأمر الذي يجب ان يلفت النظر اليه أنه لم يصب أذ ذاك أحد من سكانها بأهانة , ولم يتجاوز أحد على مال لأحدهم . ولم يطلب الشيخ من سكانها غرامة حربية. وبعد أن استولت جيوش الشيخ بنصف ساعة عادت شؤون الناس تجري بإنتظام لايشوبه مايخل به , فكأنه لم يقع هناك حادث غير عادي ... ان الشعوب الممعنة في المدنية والعلم لتغبط هذه الحالة الداعية الى الشرف وهي ترينا أنه مع ماعليه الاعراب من ميل الى السلب والنهب فإن لهم أنظمة ودساتير تبعث بهم حب السلام ويكون رائدها الطاعة القصوى لرئيسهم , وهو روح النظام العسكري ... اما الشيخ فهو كهل شجاع باسل ذو اقدام على العمل , قل من يفوقه أحد . وهو عزيز على مواطنيه لحسن تدبيره في الأمور وتوقد ذهنيته , وجنوحه الى جانب الحق , ولاعتداله الذي يتمشى عليه في شؤون امارته , وقد جعلته هذه الصفات محترما عند الناس كافة ))).
لمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع للبحث الموسع التالي والذي يغطي هذا الحدث الرئيسي وماسبقه وماتبعه من أحداث ، ويستند الى أكثر من سبعين مرجع تاريخي الكثير منها معاصر للأحداث:
آل سعدون الأشراف وأول إعلان تاريخي ومحاولة لإستقلال العراق بأكمله عام 1787م
http://www.alduwaser.org/vb/showthread.php?t=62683
11- الدولة العثمانية تجهز حملة إقليمية كبيرة ضد مملكة المنتفق وتسندها بقوات حاكم الحجاز ثم تفشل في إرسالها:
نعود للأحداث في عهد الأمير مانع بن شبيب حيث أنه بعد أن ضم مدينة البصرة لمملكة المنتفق للمرة الثالثة (عام 1106هـ - 1694م) أصبحت مملكة المنتفق تعيش صعودا على كافة الأصعدة عسكريا وسياسيا وإقتصاديا ، بينما كان العثمانيين في نصف العراق الشمالي على عكس ذلك يعيشون انحدارا على جميع الأصعدة عسكريا وسياسيا وإقتصاديا .. خصوصا بعد أن فقدوا أهم مورد مالي لهم في العراق ميناء البصرة والذي كان أهم موانئ الخليج العربي ومتلقى القوى الدولية في المنطقة تجاريا ، لذلك قررت الدولة العثمانية تجهيز حملة جديدة ودعمها بقوى إقليمية جديدة على أمل إستعادة مدينة البصرة ، وبدأ التحضير للحملة والتي دعمت بقوات ولاية بغداد وديار بكر وكركوك والموصل والرها وطلبت الدولة العثمانية العون العسكري من حاكم الحجاز الشريف سعد (أقوى الحكام في داخل الجزيرة العربية في تلك الفترة) والذي التحق بالحملة ، يذكر هذه الحملة مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي , في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، أحداث سنة 1107هـ - 1695م , المجلد الخامس , ص :161 ((( بذل الوزير مافي وسعه لإنقاذ البصرة وجعل معه الوزير حسين باشا محافظ ديار بكر بعساكره. وكذا ولاة كركوك والموصل والرها فهؤلاء أمروا مع كتخدا الباشا بالذهاب الى البصرة حتى أن الشريف سعد (شريف مكة) عين مع هؤلاء))). ويرجح الوهبي أن قوات دولة بني خالد شاركت في هذه الحملة أيضا ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في هامش كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 391((( سيرت حملة عسكرية كبيرة لاستعادة البصرة سنة 1107هـ ولكنها فشلت قبل الوصول للبصرة لسبب غير معروف فعادت قواتها الى بلدانها ، وقد شاركت في تلك الحملة جميع ألوية العراق اضافة الى القوى والقبائل المحلية المؤيدة للعثمانيين ، حتى ان الشريف سعد شريف مكة البعيد نسبيا كلف بالإنضمام الى الحملة ، ومن المرجح مشاركة بني خالد في تلك الحملة نظرا لصراعهم مع المنتفق بزعامة مانع ولصلتهم القوية بالعثمانيين في تلك الفترة ))).
وكانت قيادة الحملة العسكرية قد أسندت لوالي بغداد إلا ان الحملة فشلت في التحرك الى مدينة البصرة وتفرقت قواتها ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي , في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , المجلد الخامس , ص :161 ((( وعهد بالقيادة (الامارة) الى الوزير فلم يتيسر له السفر وأن والي ديار بكر حسين باشا توفي في بغداد. رأى الجيش فقدان الارزاق وقلتها فلم يبد رغبة ، وعاد أكثره الى مواطنه))). ويمكن تلخيص الأسباب الرئيسية التي أدت الى فشل الحملة بالآتي : أولا الوضع الأقتصادي السيء الذي وصل له العثمانيين في العراق بعد فقدهم لميناء البصرة . ثانيا عدم رغبة الولاة والحكام المشاركين في الحملة في المواجهة العسكرية مع مملكة المنتفق وخصوصا بعد تصاعد القوة العسكرية لمملكة المنتفق وفشل جميع الحملات العسكرية العثمانية السابقة عليها. وأخيرا كانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي وفاة والي ديار بكر وهو ما أوجد الذريعة للمشاركين للإنسحاب وتسبب في تفكك الحملة ، يذكر المؤرخ العثماني نظمي زاده مرتضى افندي (المعاصر للأحداث) ، في كتابه كلشن خلفا ، عند حديثه عن الأسباب التي أدت الى عدم تحرك الحملة من بغداد، ص: 302 ((( وأضيف اليهم شريف مكة المكرمة الشريف سعد ، على أن يكونوا كلهم تحت قيادة والي بغداد ، ولكن شاء الله أن يتأجل موعد سفر هذه الحملة ، ووفاة والي ديار بكر المرحوم حسين باشا ، وارتفاع الاسعار في بغداد وتبرم رجال الحملة بهذا السفر ، وقلة رغبتهم فيه ، كل هذه الأسباب ، أوجبت عودتهم من حيث أتوا))).
12- تعاون الدولتين العثمانية والصفوية عسكريا (في سابقه تاريخية) ضد مملكة المنتفق:
بعد فشل الدولة العثمانية في حشد الدول الإقليمية العربية الموالية لها بالإضافة الى الولايات العثمانية التابعه لها في العراق وسوريا وكردستان وجنوب تركيا ضد مملكة المنتفق..أصبحت مجبرة على طلب العون من أحد الدول الكبرى ولذلك اتجهت انظارها الى التحالف مع عدوها التقليدي الدولة الصفوية حيث اتفقت مصلحة الدولتين العظميين على القضاء على النفوذ المتزايد لحاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب وتم الإتفاق بينهما على التحرك عسكريا على جبهتين ضد مملكة المنتفق. الجبهة الأولى هي الجبهة الفارسية وأسندت قيادة هذه الجبهة الى والي الحويزة الأمير فرج الله التابع للدولة الصفوية ، ومهمة هذه الجبهة هي إشغال قوات مملكة المنتفق في معارك على الحدود في إقليم عربستان حتى تتمكن القوات العثمانية من إنتزاع البصرة .. وكان السبب في اختيار والي الحويزة هو نجاحه في رد حملة لمملكة المنتفق على الحويزة ، وهي الحملة التي قادها الأمير صقر آل شبيب (أخو حاكم مملكة المنتفق الأمير مانع بن شبيب) وشارك فيها وزير حاكم مملكة المنتفق (المسمى جعفر). وهذا مارفع صيت والي الحويزة بعد أن نجح فيما فشل به العثمانيون وهو هزيمة قوات مملكة المنتفق. يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث , عند حديثه عن الحويزة ومملكة المنتفق، ص: 151 ((( ففي 1697م (1109هـ) بلغ عداؤهما حده الأعلى. ودحر فرج والي الحويزة في موقعة ما رئيسا كبيرا من رؤساء المنتفك))). ويذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ,في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , عند حديثه عن هزيمة الحملة التي أرسلها حاكم مملكة المنتفق للحويزة بقيادة أخيه , المجلد الخامس , ص 164 ((( وجل ماعرف من تاريخ راشد أن أخا الشيخ مانع ومثله كتخداه جعفر لم يتمكن من الحويزة وعاد مخذولا في حربه))).
أما الجبهة الثانية فهي الجبهة العثمانية وهي التي كان مقررا أن تدخل قواتها لمدينة البصرة وكانت بقيادة حسن باشا المرشح لمنصب والي مدينة البصرة ، وكانت مهمة هذه الجبهة هي دخول مدينة البصرة عسكريا وذلك لكونها سوف تواجه قسم قليل من قوات مملكة المنتفق التي سوف تكون وقتها تقاتل على الجبهة الفارسية. وكان والي بغداد قد أستقبل رسائل من بعض كبار سكان البصرة تطلب منه التقدم بإتجاه المدينة وخصوصا بعد فشل الحملة التي أرسلها حاكم مملكة المنتفق الى الحويزة سابقا والتي كانت تنذر بإندلاع حرب جديدة في المنطقة بين والي الحويزة وحاكم مملكة المنتفق وهذا ما دعم والي بغداد سياسيا قبل تحركه لمدينة البصرة كونه استطاع خلخلت الجبهة الداخلية لحاكم مملكة المنتفق وفي قلب عاصمته. وبدأت العمليات العسكرية بين القوات الفارسية وقوات مملكة المنتفق على الجبهة الفارسية ، بينما تقدمت القوات العثمانية بإتجاه البصرة على الجبهة العثمانية وأستطاعت أن تحتل القرنة شمال مدينة البصرة ، الا أنها فشلت في التقدم الى مدينة البصرة بعد أن تم صدها وهزيمتها من قبل قوات حاكم مملكة المنتفق الذي ترك الجبهة الفارسية على عجل وفيما يبدو انه حصل وقتها على هدنه من والي الحويزة (الذي ذكرت كتب التاريخ أنه خدع مانع) ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، ص: 151 ((( وقدم أشراف البصرة ، الذين ملوا تقلبات الحكم العشائري ، عريضة الى بغداد طلبوا فيها ارسال والي أصولي اليهم. وكان حسن باشا ، المرشح للمنصب ، في بغداد فتحقق بواسطة وكلاء خاصين الموقف المناسب في الميناء ، ثم تحرك اليه. فاحتلت القرنة ، غير انه لسبب من الاسباب خاب في التقدم الى البصرة ، ففشلت الحملة))).
كانت هزيمة الحملة العثمانية ومن ثم فشلها في إستعادة مدينة البصرة قد وضعت والي بغداد في موقف حرج جدا أمام الخليفة العثماني وكادت أن تتسب في فشل التحالف بين الدولتين العثمانية والصفوية ، وأصبح والي بغداد في حيرة من أمره حيث أن القوات العثمانية كانت عاجزة عن التقدم لكون قوات مملكة المنتفق تقف في طريقها. الا أن والي بغداد وجد ان الحل لذلك الإشكال هو السماح للقوات الفارسية بإحتلال البصرة بدلا من القوات العثمانية ( وهو القرار الذي تسبب في عزل والي بغداد من قبل الخليفة العثماني كما سوف يأتي لاحقا) ، وكان فرج الله والي الحويزة قد أرسل رسله لبغداد طالبا السماح له بالتقدم بالقوات الفارسية لإحتلال البصرة ولم يكن أمام والي بغداد الا القبول بذلك على شرط أن تسلم المدينة للعثمانيين بعد ذلك مباشرة ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ص: 151 (((وهنا وجد الباشا في بغداد طريقة سهلة لحل المشكل. فقد وصل اليه رسل فرج الله خان يطلبون رخصته في اخراج مانع من البصرة ، فصودق على الفكرة على كل حال))).
وقد كانت الجبهة الفارسية هي أخر جبهة يتوقع حاكم مملكة المنتفق أن تأتي منها قوات لإحتلال مدينة البصرة كون ذلك كان يعني إندلاع حرب بين الدولتين العظميين العثمانية والصفوية ، ولم يكن يتصور أن تتعاون الدولتين ضده في عمل عسكري مشترك ، لذلك سقطت المدينة عسكريا بيد القوات الفارسية ونجح التعاون بين الدولتين العثمانية والصفوية في إخراج حاكم مملكة المنتفق من مدينة البصرة ومن خلال الجبهة الأقل تحصينا ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج 3 , ص: 595 , متحدثا عن عام 1109 هـ ((( وفي العام نفسه احتل فرج الله بموافقة الحكومة الفارسية والعثمانية البصرة والقرنه ))). يذكرعبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، عند حديثه عن تعاون الدولتين العثمانية والفارسية ، ص: 391 ((( ومن المحتمل اشتراك بني خالد في الأحداث التي اعقبت ذلك فيما بين عامي 1103 – 1109 هـ ضد مانع الذي استقل بالبصرة ، وماادى اليه من موافقة العثمانيين على التعاون مع الفرس لإستعادتها منه عن طريق والي الحويزة ))).
ان ما ذكرته كتب التاريخ من أن والي الحويزة قد خدع حاكم مملكة المنتفق الأمير مانع بن شبيب وانتزع منه البصرة بالحيل والدسائس يدل على أن مانع أقام هدنة مع والي الحويزة وترك القتال في الجبهة الفارسية وتوجه للتصدي للعثمانيين .. وهو ما مكن القوات الفارسية من التقدم بقوات ضخمه على جبهة غير محصنة وأدى لسهولة دخولها للمدينة ، يذكر ابن الغملاس ، في كتابه البصرة ولاتها ومتسلموها ، ص: 75 ((( فحكم مانع الى سنة 1109 ثم خدعه حاكم الحويزة فرج الله خان واستعمل عليه الدسائس والحيل وأخرجه من البصرة وضبط حكومتها))). ويذكر عارف مرضي الفتح ، في كتابه الإيجاز في تاريخ البصرة والأحساء ونجد والحجاز ، المجلد الأول ، ص: 550 ((( أخذ راعي الحويزة فرج بن مطلب البصرة ، فقد حارب مانعا بجيش جرار حتى تمكن منه واستولى عليها ، وأخرج مانعا بالخدعة والدسائس والحيل ))).
بعد دخول القوات الفارسية بقيادة فرج الله لمدينة البصرة ، أصبحت المدينة تحت سيادة الدولة الصفوية كليا ، يذكر علي ظريف الأعظمي ، في كتابه مختصر تاريخ البصرة ، ص: 156 ((( استولى فرج الله خان حاكم الحويزة على البصرة كما ذكرنا ... فدخلت البصرة تحت سيادة الفرس))). وكان من المفترض أن يقوم والي الحويزة بتسليم المدينة للدولة العثمانية كما وعد في اتفاقه مع والي بغداد الا أن فرج الله خدع والي بغداد أيضا وأرسل مفاتيح البصرة والقرنه الى الشاه حسين حاكم الدولة الصفوية وذلك طمعا في ان تبقى المدينة تحت سيطرته بموافقة الشاه ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، ص: 151 ((( فطارد الخان القوات المنتفكية من البلدة واحتل القلعة فيها ثم احتل قلعة القرنة. غير انه (على عكس اتفاقه مع بغداد) أرسل بالمفاتيح الى الشاه))).
ولما وصل الخبر الى الشاه حسين حاكم الدولة الصفوية لم يرضى بما قام به والي الحويزة لكون ذلك سوف يتسبب بحرب بين الدولتين العثمانية والصفوية ، لذلك قام الشاه بضبط المدينة وتعيين داود واليا عليها الى أن تتسلمها الدولة العثمانية منه ، وقد كانت الدولة العثمانية عاجزة أصلا عن التقدم للمدينة كون حاكم مملكة المنتفق قد ضرب عليها حصارا في محاولة لإستعادتها من الفرس ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ,في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , عند حديثه عن والي الحويزة , المجلد الخامس , ص 165 ((( ولما أخبر الشاه لم يرض بعمله ، وضبط المدينة وعين لها داود خان واليا الى أن تتسلمها الدولة العثمانية منه ))). لقد تسبب تصرف والي الحويزة وسوء تقديره لعواقب الأمور في إجباره على التنحي والخروج من مدينة البصرة ، وذلك بعد أن خرج عن النص ولم يلتزم بالإتفاق الجديد بين الدولتين الصفوية والعثمانية والذي يقتضي بأن تدخل القوات الفارسية (بقيادة والي الحويزة) لمدينة البصرة ثم تقوم بتسليمها للدولة العثمانية ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، عند حديثه عن والي الحويزة , ج 3 , ص: 279 ((( وبالاتفاق ، ليس فقط مع سيده ملك الفرس وإنما أيضا مع العثمانيين قام فرج الله بطرد شيخ المنتفق من البصرة ، لكنه أرغم بعد ذلك على التنحي لصالح وال فارسي))).
وبوصول مفاتيح البصرة الى الشاه حسين حاكم الدولة الصفوية بدأ قطف ثمار التعاون بين الدولتين العثمانية والصفوية ، حيث أرسلت الدولة الصفوية وفدا كبيرا مع هدايا قيمة الى الخليفة العثمانية إحتفالا بنجاح التعاون بين الدولتين العظميين ، وقد تلقى الوفد الفارسي ترحيبا وتقديرا من الخليفة العثماني ، وتم بالمقابل إرسال وفد عثماني كبير الى الشاه حسين في أصفهان ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث , عند حديثه عن مفاتيح مدينة البصرة ، ص: 151 ((( فبادر الشاه حسين ، المعتلي حديثا على العرش ، بإرسالها مع الهدايا الفاخرة الى السلطان ، فقوبلت تلك الوفادة بكل تقدير ، وأرسل وفد جليل في مقابل ذلك الى أصفهان))). وقد تفاجأ والي الحويزة من تصرف الشاه كونه كان يطمح بخداعه لوالي بغداد وإرساله لمفاتيح المدينة للشاه الى أن تبقى المدينة تحت حكمه هو وبموافقة الشاه ، ولكن الأمور سارت على عكس ما يشتهي حيث أن الشاه حسين حاكم الدولة الصفوية لم يكتفي بإرسال مفاتيح مدينة البصرة للخليفة العثماني ... بل قام أيضا بإخراج فرج الله من مدينة البصرة وعين والي آخر عليها ، وبذلك ضاعت جهود والي الحويزة وتم إخراجه من مدينة البصرة بسبب تصرفه الذي كاد يتسبب في حرب بين الدولتين العثمانية والصفوية ، وعاد الى الحويزة وهو غاضب ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج 3 , ص: 595 ((( وتولى ادارة البصرة موظف فارسي ، الا أن الشاه أرسل مفتاح المدينة الى السلطان. فعاد فرج الله خان الى الحويزة غاضبا))). ولم يكن والي الحويزه (فرج الله) يعلم أن الشاه سوف يعزله قريبا وأن من سوف يجيره ويحميه من العثمانيين ومن الفرس هو خصمه حاكم مملكة المنتفق في موقف عربي نبيل كما سوف يأتي بالقسم التالي من البحث.
13- دعم الأمير الشريف مانع بن شبيب للحملة العثمانية لإستعادة البصرة من ولاة الفرس:
كان احتلال البصرة بالطريقة التي تم بها (كما ذكرنا في الفصل السابق) قد تسبب بنتائج كارثية على والي بغداد وعلى والي الحويزة، حيث ان قرار والي بغداد (علي باشا) بالسماح للقوات الفارسية بإحتلال البصرة بدلا من القوات العثمانية كان ذو تأثير مباشر على منصبه ، فقد تم عزله مباشرة من قبل الخليفة العثماني بعد مغادرة الوفد الفارسي الذي سلم مفاتيح المدينة للخليفة ، وتم تعيين والي مصر السابق اسماعيل باشا كوالي لبغداد مكانه ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي , في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , حوادث سنة 1110هـ - 1698م ، عند حديثه عن علي باشا الذي كان قد عين كوالي لبغداد عام 1107هـ - 1695م , المجلد الخامس , ص 165 ((( وجاء في تاريخ راشد أن علي باشا عزل سنة 1109هـ اثر عودة رسول الشاه. وكان غضب عليه من جراء اهماله وتكاسله بحيث ترك البصرة حتى استولى عليها أمير الحويزة ، وعهد الى اسماعيل باشا بمنصب بغداد وكان والي مصر))). وعلى الطرف الفارسي تسبب تصرف والي الحويزة (على عكس ما تم الإتفاق عليه مع العثمانيين ) في عزله من قبل الشاه ، ولم يجد والي الحويزة من يحميه من العثمانيين (الذين خدعهم) ومن الفرس (الذين عزلوه) سوى خصمه السابق حاكم مملكة المنتفق الأمير مانع بن شبيب آل شبيب والذي أجبرته شيمته العربية على تناسي ما فعله فرج الله وحمايته بعد أن وصل لمملكة المنتفق يمزقه الخوف من الفرس والعثمانيين، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج: 4 ، ص: 51 ((( عزل فرج الله فطلب الحماية عند مانع))). ويذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، عند حديثه عن والي الحويزة، ص: 71 ((( فلم يجد ملاذا أفضل له ، الا في ديار المنتفق ، ولم يكن من المتوقع من المنتفق ومانعهم الا تناسي ماحدث سابقا معه ، بعدما جاءهم الرجل لاجئا يمزقه الخوف من العثمانيين والفرس معا))). ويذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث , عند حديثه عن عزل الشاه لوالي الحويزة فرج الله ، ص: 152 ((( غير أن الشاه عزله بعد ذلك فصالح مانعا ، وجاء بعده في البصرة داود خان))).
استمر الوالي الفارسي داود خان في منصبه كوالي للبصرة مدة سنتين ، ولم يسلم المدينة للعثمانيين ولم تستطيع الدولة العثمانية التقدم للمدينة بسبب حصارها من قبل حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب وهو الحصار الذي اتخذه داود خان وأتباعه كذريعة لعدم تسليم المدينة ولإبقاؤها في يدهم لأطول وقت ممكن. وبدأ صبر الخليفة العثماني ينفذ كون مفاتيح مدينة البصرة سلمت له إلا أنه بقي عاجزا عن إسترجاع المدينة ، لذلك قرر الخليفة التحضير لحملة إقليمية كبيرة لطرد داود خان وأتباعه الفرس من البصرة ، وجمعت جنود الحملة من ولاية بغداد وديار بكر وحلب والموصول وسيواس ، وبلغ تعداد جنود الحملة خمسين ألف مقاتل ، ورافقتها 300 سفينة نهرية. يذكر ابن الغملاس ، في كتابه البصرة ولاتها ومتسلموها ، ص: 75 ((( وفي 1111 وجهت ولاية البصرة مع انضمام ايالة حلب الى علي باشا ، وأمر بمعاونته ولاستخلاص البصرة أن تسير العشائر من ديار بكر والموصول وحلب وسيواس وبغداد ، فجمع زهاء خمسين ألفا من العساكر ، وشحنت قدر ثلثمائة سفينة في نهر الفرات وسيقت الى البصرة ))).
بدأت القوات العثمانية تحركها العسكري بالفتك ببعض القبائل التابعه للعثمانيين في ولاية بغداد والتي بدأ يظهر منها بعض التمرد نتيجة الحالة السيئة التي وصل لها العثمانيين في العراق في تلك الفترة بسبب مملكة المنتفق ، وهذه القسوة أعطت صدى واسع للحملة العثمانية. ووصلت أخبار الحملة وهدفها وماقامت به الى معسكر حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب الذي كان محاصرا للبصرة ، وهو ما أوقع الأمير مانع في حيرة من أمره ووضعه أمام خيارين أحلاهما مر . الخيار الأول كان التصدي للحملة العثمانية ومنعها من المرور في أراضي مملكة المنتفق ولكن هذا الخيار كان سوف يجعله في صف الدولة الصفوية وهي الدولة المعادية له والتي هو في صراع عسكري معها أصلا. والخيار الثاني كان السماح للحملة العثمانية بالمرور في أراضي مملكة المنتفق ودعم الحملة لإستعادة مدينة البصرة من الفرس وهذا الخيار كان سوف يمكنه من أن يسجل موقف سياسي على العثمانيين ولكن هذا الخيار سوف يتسبب أيضا في أن يفقد المدينة التي يحاصرها عسكريا لإستعادتها منذ سنتين .
بالإضافة الى ذلك كان قرار الأمير مانع يجب أن يستند على معطيات أخرى حيث كان لدى الأمير مانع بن شبيب مسؤولية كبيرة تتعلق بشيمته العربية وهي حماية دخيله فرج الله من الفرس والعثمانيين معا ، كما أن الحملة كانت تستهدف خصومه الفرس لذلك لم يكن هنالك سبب للتصدي لها وخسارة جنود دون مبرر واضح. وبناء على ذلك كله أختار الأمير مانع بن شبيب الخيار الثاني وهو دعم الحملة والسماح لها بالمرور بأراضي مملكة المنتفق وأرسل أحد مشايخ القبائل التابعه له لقائد الحملة العثمانية للتفاوض حول السماح لهم بالمرور في أراضيه وتقديمه الدعم لهم. يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث , عند حديثه عن وصول الأخبار عن الحملة العثمانية وما ارتكبته في طريقها ضد قبائل ولاية بغداد، ص: 152 ((( وسمع مخيم مانع ، الذي كان قد التجأ اليه فرج الله ، بعظم الجيش الزاحف وقساوته ففزع كل الفزع . وعهد الى شيخ أدنى رتبة بأجراء المفاوضات بالخضوع السلمي ، وانتهى القتال))). وكان حاكم مملكة المنتفق قد طلب من العثمانيين طلبا واحدا فقط مقابل دعمه للحملة في موقف عربي نبيل ، وهذا الطلب هو حماية دخيله والي الحويزة السابق فرج الله والعفو عنه من قبل العثمانيين ، وهو الذي كان مطلوبا للعثمانيين والفرس معا. وقد وافق القائد العثماني على ذلك ، وبذلك أنتهت حقبة من الصراع بين مملكة المنتفق والدولة العثمانية، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق والمنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، ص: 71 ((( طلب الشيخ مانع لدخيله فرج الله خان – العفو والأمان، فوافق القائد العثماني على هذا الطلب ، كما أن المنتفق وجدتها اختبارا لصدق نيات العثمانيين لهدفهم المتوجهين نحوه))).
وبناء على ما تم تحركت الحملة العثمانية حتى وصلت الى القرنه ، وعندما علم الوالي الفارسي داود خان بضخامة الحملة وبمرورها بسلام بإتجاه البصرة (بعد إتفاق العثمانيين مع حاكم مملكة المنتفق) .. قرر الفرس الهرب من المدينة وبذلك استعادتها الدولة العثمانية بدون قتال. يذكر ابن الغملاس ، في كتابه البصرة ولاتها ومتسلموها ، ص: 75 ((( فلما وصلوا الى القورنة وسمع داود خان بعدتهم وعددهم فر الى الدورق فدخلوا البصرة بلا حرب ، ويسر الله لهم الفتح))). وقد أدى إستعادة البصرة بدون قتال الى ترقية والي بغداد دلتبان مصطفى ليصبح صدرا أعظما، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث , ص: 120 ((( وكان حاكم بغداد الحديث ، دلتبان مصطفى ، صربيا عنيفا مستبدا ، وأميا لكنه مندفعا . فرفع بعد حملته على البصرة وأصبح صدرا أعظم خلفا لحسن كوبرلي العظيم))).
14- إسقاط حاكم مملكة المنتفق لوالي الحويزة الجديد المعين من قبل الشاه حاكم الدولة الصفوية:
كانت موافقة الدولة العثمانية على طلب حاكم مملكة المنتفق الأمير مانع بن شبيب بحماية دخيله (والي الحويزة السابق – فرج الله) قد أدت الى انتهاء حقبة من الصراع العسكري العنيف بين العثمانيين وبين مملكة المنتفق. ولذلك بدأ حاكم مملكة المنتفق بتوجيه قوة مملكة المنتفق العسكرية الى الدولة الصفوية ونفوذها في المنطقة وتحديدا الى والي الحويزة الجديد (هبة الله) المعين من قبل الشاه ، لذلك قرر مانع إكمال معروفه مع والي الحويزة السابق فرج الله وإعادته لولاية الحويزة بالقوة العسكرية.