الدوسري يرى أنه يرفع تكلفة الخدمات الصحية على المجتمع (2 من 2)
التأمين الصحي لا يشمل الفئات الأكثر حاجة إلى العلاج- - 05/09/1428هـ
يواصل الدكتور مسفر بن عتيق الدوسري المتخصص في مجال الصحة وأستاذ اقتصاديات الصحة المساعد في جامعة الملك سعود هجومه على التأمين الصحي، ويرى في الحلقة الأولى أن الطبيب سيكون في ظل التأمين الصحي مندوبا وممثلا لشركة التأمين ما يؤثر في العلاقة بين الطبيب والمريض. في هذه الحلقة يواصل الدوسري هجومه ويقول إن التأمين الصحي لن يعفي الحكومة لأنه لا ينطبق على الكبار والعجزة ونزلاء الدور الاجتماعية، إضافة إلى أن التأمين سيرفع تكلفة علاج هؤلاء على الحكومة.
عثمان ظهير من الرياض
يقول الدكتور الدوسري إنه كثيرا ما يقال "إن التأمين الصحي يخفض تكاليف العلاج ويقلل موارد المجتمع التي تذهب إلى القطاع الصحي، أي أنه يرفع الكفاءة الاقتصادية للقطاع الصحي بحيث يحصل المجتمع على أعلى إنتاج بأقل التكاليف أو أنه يوظف موارد القطاع الصحي التوظيف الأمثل". ويضيف: "هذا الوهم ليس صحيحاً للأسباب التالية:
التأمين لا يشمل العجزة وضحايا الكوارث
أولا: "إذا كان الهدف من التأمين تخفيف الأعباء المالية والإدارية على الدولة فإن الدولة لن تستطيع تخفيف أعبائها بالشكل الذي يبرر التأمين، خاصة أن عليها التزامات أمام مواطنيها, فهي مسؤولة مسؤولية مباشرة عن ضروريات حياتهم لأنه سيبقى لها المستبعدون من شركات التأمين الذين لا يحققون لها أرباحا، من المسنين والمعوقين وضحايا الحوادث والحروب والأمراض المزمنة والمرضى النفسيين ومرضى العقل وغيرهم. ولا يمكن لأي دولة أن تتخلى عن الأعباء المالية والإدارية والرقابية والإشراف على مثل هذه الحالات بشكل خاص أو على القطاع الصحي بشكل عام خاصة في ظل التأمين مهما كلف الأمر, ثم ستواجه في ظل التأمين مشكلات أخرى لا خبرة لها فيها ولا بد لها من أن تتعامل معها, خاصة أن هؤلاء الذين ستتخلى عنهم شركات التأمين يكلفون الدول ـ عادة ـ نحو ثلاثة ارباع ميزانية القطاع الصحي كله في حين تتولى شركات التأمين أولئك الذين هم في العادة لا يحتاجون إلى أي نوع من الخدمات الصحية لسنوات عديدة لصغر سنهم ولاستبعادها ما يكلف من خدماتها.
خسارة فادحة على المجتمع
ثانيا: يقول الدوسري: كما أن التأمين يؤدي إلى رفع تكاليف الخدمات الصحية بالنسبة للمجتمع ككل, فكل من تستبعدهم شركات التأمين لأن تكاليف علاجهم عالية فلا بد للحكومات أن تعالجهم ولا تتركهم ليموتوا أو يعانوا, وهذه الفئة عادة تستهلك نحو ثلاثة أرباع ميزانيات وزارات الصحة في العالم, فإذا جمعت تكاليف علاج هؤلاء مع مليارات أقساط التأمين مع ارتفاع أسعار جميع خدمات القطاع الصحي المتوقعة صارت الخسارة على المجتمع فادحة وحملاً باهظاً. أضف إلى ذلك دفع الناس المؤمنين مقابل الخدمات التي ترفض تغطيتها شركات التأمين لأن شركات التأمين تنتقي الأصحاء كما تنتقي الخدمات قليلة تكلفة العلاج قليلة احتمالية الوقوع. ولهذا نرى دولة التأمين الأولى الولايات المتحدة تخسر على الصحة نحو 11 في المائة من ناتجها القومي بينما تخسر دولة مثل بريطانيا أقل من ذلك بنحو الثلث رغم أنها اعتادت أن تعالج جميع مواطنيها والمقيمين الأجانب فيها دون استثناء من مواردها العامة، ودون ربط بين دخولهم وعلاجهم. إذاً فالتأمين يرفع تكاليف الخدمات الطبية على المجتمع ولا يخفضها, كما يتوقع البعض.
إعادة التأمين تتسرب خارج الاقتصاد
ثالثا: إن مبالغ التأمين الضخمة التي تبلغ المليارات يتسرب أكثرها خارج الاقتصاد على شكل ما يسمى "إعادة التأمين" حيث تقوم شركات التأمين بإعادة التأمين عند شركات عالمية أكبر، مما يسرب هذه المبالغ الضخمة خارج الاقتصاد المحلي, وكلما كبر المبلغ أضعف القدرة الاقتصادية كما يعرف الاقتصاديون، خاصة أن من المتوقع أن الشركات العالمية ستدخل بقوة في ظل العولمة لتحصل على حصة الفاسد من هذه المليارات وستنتهي الشركات الوطنية المحلية إلى واجهات فقط على شكل مكاتب صغيرة تأخذ عمولة بسيطة مقابل العمل لصالح الشركات الضخمة.
أرباح على حساب صحة الناس
رابعا: وإن قلنا جدلاً إن التأمين سيقلل التكاليف لعلاج بعض الحالات فإن هذا الوفر لن يكون عائداً على المريض نفسه ولا على القطاع الصحي العام بل سيكون عائداً لشركات التأمين وأرباحها التي عادة تسربها إلى خارج الاقتصاد. فإذا كان هناك توفير وزيادة أرباح فلا يدخل جيب المريض ولا الحكومة ولا القطاع الصحي وإنما يذهب إلى التجار وشركات التأمين, علماً بأنه جاء على حساب صحة المريض وجودة الخدمات المقدمة له، بدلاً من أن يذهب لرفع مستوى صحة أفراد المجتمع. فلا يستفيد من التأمين على الحقيقة إلا أصحاب شركات التأمين في الداخل أو في الخارج بسبب "إعادة التأمين".
الهدف من التأمين غير واضح
ويزيد الدوسري "نخلص من كل ذلك إلى أن المشكلة هي في أن الهدف الحقيقي من تبني التأمين غير واضح لأنه لا يحقق هدف المريض في توفير خدمة طبية تتميز بالجودة والسعر المناسب والزمان والمكان الملائمين. كما أنه لا يحقق هدف الحكومات في توفير الرعاية الصحية لجميع أفراد المجتمع بعدالة وبجودة عالية ترفع معاناتهم, وليس من أهدافها تحقيق أهداف المجتمعات في توفير رعاية لكل فرد مهما اختلف مستوى دخله أو احتياجاته الصحية. والمستفيد الوحيد حقيقة من نظام التأمين هو شركات التأمين لأنها تحقق هدفها الوحيد وهو الربح فهي تفرض ضريبة على كل من تستطيع أن تفرضها عليه صغيراً أو كبيراً ذكراً أو أنثى فقيراً أو غنياً ثم تختار الأصحاء الذين احتمالية طلبهم أو احتياجاتهم إلى الخدمات الطبية منخفضة ثم هي تعلم أن نسبة صغيرة من هؤلاء هم من سيطلبون أو يحتاجون إلى الخدمات الطبية ثم هي تعمل بشتى الطرق للتهرب من التزاماتها عند احتياج الشخص إلى الخدمات الطبية فتنتهي وقد حققت هدفها, وهو الربح على حساب أهداف المجتمع والحكومة والأطباء والمرضى وعادت بأموال طائلة كان من المفترض أن تذهب إلى القطاع الصحي ذي الموارد الشحيحة عادة. كما أنها تعلم أنه غالباً فيما بين السنة الثانية والثالثة من العمر إلى حدود الأربعين سنه لا يحتاج هؤلاء الأصحاء إلى أقساط التأمين حتى لو دفعت فيما يبدو مبالغ كبيرة فإنها تنتهي بالحصول على مبالغ ضخمة للغاية من دون عناء لأن شركات التأمين تصنف من شركات الوساطة المالية حيث تأخذ أموالا ولا تقدم أي خدمات طبية على الإطلاق, بل إن الكثير من الدول تلزم شركات التأمين بألا تقدم أي خدمة طبية فهي تأخذ من المريض أو من الحكومة أو رب العمل أو منهم مجتمعين ثم تدفع لمقدم الخدمة (الذي هو الطبيب أو المستشفي) الذي تختاره هي وفق شروط تحددها هي بدقة. فهي لا تبني مراكز صحية ولا عيادات, كما أنها تستبعد المستشفيات والأطباء الذين لا يحققون لها أرباحا ولو كانوا أجود الأطباء وأفضلهم في عملهم وتفانياً في خدمة المريض لأن هؤلاء المخلصين يقدمون مصلحة المريض على مصلحة شركة التأمين وهذا يناقض هدف الربح. إذن نعود إلى السؤال الأول: ما الهدف الحقيقي لتبني التأمين إذا لم يكن لمصلحة المريض وتحقيق أهداف الحكومات في توفير رعاية طبية جيدة وعادلة لجميع أفراد المجتمع للمواطنين وغيرهم، ولا يرفع لا الكفاءة الطبية ولا الاقتصادية ولا يقلل الأخطار ولا يخفف معاناة الناس بشكل مقبول ولكن سيعقد الأمور أكثر؟