::: مـنتدى قبيلـة الـدواسـر الـرسمي ::: - من الفواكه أم الخضراوات؟

من الفواكه أم الخضراوات؟

سعيد الدوسري - الرياض
مجلة المعرفه
وفي المرحلة الجامعية أيضًا..قررت أن أبيع مذكراتي.. أكتب مع الدكتور.. ثم أعيد كتابة ما سودته بخط جميل، وهو ما كنا نسميه بـ«التبييض». والتبييض طبعًا تعلمته من تربية الدجاج..وبعد التبييض أذهب إلى أحد محلات خدمات الطالب بجوار الجامعة.. وأعرض عليه المذكرة..و«أتغلى» عليه قليلاً..ثم أهدده بأنني سأبيعها لغيره..فيشتريها مني مرغمًا بخمسين أو مئة ريال.. وهذا أحسن من بيع الدم.. على الأقل!!
المهم.. نجحت العملية..وصرت أبيع كل مذكراتي حصريا لإحدى المكتبات.. وبسبب وجود بعض الدكاترة ضعاف النفوس، الذين لا يرقبون في طالب إلاً ولا ذمة.. والذين كانوا يرغبون بدورهم في بيع كتبهم التي ألفوها.. تم منعي رسميا من بيع المذكرات، وتم تحذير الطلاب من شرائها، وصار الدكتور يطلب من الجميع شراء مرجعه هو، بل وإبرازه أثناء المحاضرة أمامه!
لم أخسر شيئًا هذه المرة، ولكني توقفت عن تتمة مشروع التبييض!
وتعلمت من هذه التجربة أنه كما يقال في عالم التجارة: «الزبون دائمًا على حق»، فإنه في عالم الجامعات يقال: «الدكتور دائمًا على حق»!
والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
٭ «قدر الله علي»، وقررت أن أصبح «شريطي» خضار وفواكه.. كنا نشعر بفراغ كبير في إجازة الصيف.. ففكرت أنا وأخي في مشروع.. ولكن لم يكن عندنا مال.. فكرنا.. وفكرنا.. وأخيرًا..أهااا..«يوريكا يوريكا»!
سنبيع السيارة القديمة..ونشتري بقيمتها بضاعة ونبيعها بمكسب بالطبع!
بدأت الصفقة حين بعنا سيارتنا القديمة هايلكس 83 غمارتين دفعة أولى، واشتريت أنا وأخي، (أخي الذي كان حظه أسوأ من حظي) من سوق الجملة حمل دينا من الشمام.. شمام بدون حليب طبعًا.. أو ما يسمى «جرو» بقيمة سبعة آلاف ريال هي كامل قيمة السيارة.. لبيعها في سوق خميس مشيط، ركبنا حافلة النقل الجماعي، وعهدنا إلى السائق أن يوافينا في السوق، وما أن وصل السائق الباكستاني إلى منتصف الطريق حتى انقلبت السيارة والحمولة التي فيها، وبمحض المصادفة كان يمر بجوار موقع الحادث قطيع أغنام.. وأصيب السائق إصابات بالغة جعلتنا نسامحه عن الأضرار المادية التي لحقت بنا، لأن «اللي فيه كافيه»، بل وساعدناه في قيمة إصلاح سيارته التي أصيبت بتلفيات بالغة، وخرجنا من هذه الصفقة بخفي «سندريلا»!
والحمد لله أن المصيبة كانت في الحديد.. «وكل واحد يصلح سيارته».
تعبت من المحاولات التجارية الفاشلة.. ولكني تعلمت أن «اللي ما له شي ما يضيع له شي»..وتعلمت أن «العوض أحسن من القطيعة».. وتعلمت أنه «لو حسب الزراع زرعه ما زرع»..وصار شعاري: «يا مال الله..يخلف الله»!
وتعلمت أيضًا أن السوق «ما فيش يا امّه ارحميني».. وأن «الدنيا ما تجي على الهوى»..وأنها «ما كثرت إلا وقللت»..وأن الدنيا يوم لك ويوم عليك..وعرفت أن «نتفة حظ أحسن من تريلة مرجلة».. وعرفت أن «المقرود تدوره القرادة».. ولكن من خلال المحاولات تعرفت على رجال، ومعرفة الرجال تجارة كما يقولون..وهذا يكفيني!
الشيء الوحيد الذي لم أعرفه حتى الآن هو: هل الشمام من الفواكه أم من الخضروات؟
وإذا كنتم تعرفون الجواب فالحقوني به بسرعة البرق.
٭ بعد أن عينت معلمًا على المرتبة الثالثة براتب 4995 ريالاً بالتمام والكمال، جمعت بالتي واللتيا (وهو مثل له قصة طريفة) مبلغًا من المال من راتبي.. وقررت أن أبدأ مشروعًا صغيرًا.. ولكني قررت هذه المرة أن أتعامل مع النساء.. النساء فقط!
اشتريت المعدات.. وتعلمت الخلطة السرية..واشتريت المواد الخام.. ووفرت الدعم اللوجستي للمشروع.. واستقدمت عاملة لتقوم بالعمل.. وبدأت في تعليمها أصول المهنة العريقة التي تعود إلى مئات السنين.. عاملة واحدة تعمل معمولًا..نعم معمولًا. بدأ المشروع وحقق نجاحًا باهرًا.. وكان تعاملي مع النساء..والنساء فقط.. و«الله لا يحدنا على الرجال».. لأن الرجال وأنا منهم بخلاء.. يجمعون المال من أجل أن تنفقه المرأة فقط، ولو اعتمدت الأسواق على الرجال فقط لأغلقت أبوابها الليلة.. ودائمًا يقولون عن المرأة إنها ساحرة، لا لجمالها بل لأنها تستطيع تحويل مبلغ ضخم من المال إلى بضاعة تافهة!
اتصالات على البيجر «ماركة أبو رفسة» والبيت والجوال.. وأصوات تفيض حنانًا ودفئًا... بالأمومة طبعًا لأن أغلب زبائني كن من القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحًا، وليس عليهن جناح أن يتحدثن عبر الهاتف مع شاب في سن أبنائهن.. وخدمة توصيل للمنازل... ودهن عود كمبودي معتق.. وخشب عود كلمنتان.. وجاوي.. وموروكي وإيرياني وجابورا، و و و..إلخ.. و«طبّي يا خالة وتخيري».
وهاتك يا فلوووس.. وكسبت آلاف الريالات، وفجأة.. وفي ليلة ماطرة مقمرة، شديدة الظلمة، حالكة السواد، مرتعشة من شدة البرودة، لافحة من شدة الحرارة، وبدون إنذار نهائي بفصل التيار، هربت الخادمة، ومعها الخلطة السرية، وتوقف العمل، وألغيت الطلبات التي على قائمة الانتظار، و«هاتك يا» أقسام شرطة وبلاغات.. وجوازات واتصالات.. ولكن.. «فص ملح وداب» و«الدايم الله سبحانه»!
خسرت ولكني خرجت من هذه التجربة بدروس منها أن صاحب الصنائع السبع لا يتقن أي صنعة، وتعلمت أن المال الذي تجلبه الرياح تأخذه الزوابع، وتعلمت أن الفقر ليس إثمًا، وأن العمل معلمًا ليس عيبًا، وتعلمت أن أتكل على الله وفي الوقت ذاته أبقي بارودي جافًا، وتعلمت أنه «إيزي كوم إيزي غو»، وأخيرًا وهذا أهم شيء تعلمت أنه ليس لسن التعلم سقف!
٭ الزواج استثمار ناجح لكلا الطرفين.. وصفقة رابحة.. ولذلك قررت أن أستثمر نقودي المتبقية في هذا المشروع..وقديمًا قالوا إن «الفلوس تجيب بنات الرجال».
وأنا أقول: إن «الفلوس الآن تجيب عيال الرجال» أيضًا! والعوام يقولون قديمًا لمن عنده مال لا يكفي إلا للزواج أو لشراء بقرة: «تزوج مرة عندها بقرة» وهذا ما فكرت فيه.. أتزوج امرأة موظفة وثرية فأصبح بين عشية وضحاها ثريًا، وبسرعة البرق.. «يوريكا.. وجدتها»!
كانت معلمة في إحدى مدارس الرياض، وزميلة لإحدى قريباتي، خطبتها عن طريق النساء فأبدوا الموافقة، ومنك المال ومنها العيال!
«ولللووووشش..».
وذات يوم كنت أمازح قريبتي تلك فقلت لها (رغم أنني ــ يعلم الله ــ لا أهتم كثيرًا بالجمال الجسدي لأن أهم شيء عندي هو الأخلاق كما أخبرتكم): «يا ويلك» لو تطلع العروسة المحروسة ما هي حلوة!
وبعدها بأيام (ولا أعرف حتى الآن ما الذي حدث بالضبط) فوجئت بفسخ الصفقة.. أقصد الخطوبة، «وعليه العوض ومنه العوض»!
وبعدها دخلت شريكًا مع ثلاثة أصدقاء.. وخسرت خمسة آلاف ريال في صفقة عطر فرنسي من مصنع في دبي سميناه بعد تفكير عميق وبحث في المعاجم اللغوية: عطر البرتقالة.
وصلت البضاعة إلى المستودع، وبعد عدة محاولات مع تجار الجملة في البطحاء ومنفوحة، وحين لم نجد للبضاعة زبونًا يدفع سعرًا عادلاً.. تقاسمناها.
وعملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابوا» وزعناها هدايا على الأقارب ليضعوها على مغاسل الأيدي و«الخشش» في منازلهم، و«أنعم الله على من تكلف»!
ولأن الفشل يعدي.. فقد خسرت في وقت لاحق، وهذه المرة أنا وزوجتي، في صندوق استثماري ما، في حدود مئتي ألف ريال، هي كل «تحويشة» العمر.. وعظم الله أجركم جميعًا!
ثم خسرت أنا وزميل لي معلم علوم (كان أحد شركاء الغفلة في مشروع البرتقالة) في شراكة مشروع مقهى إنترنت مبلغ 25 ألف ريال لكل واحد.. ورغم أن المشروع نجح نوعًا ما.. إلا أنني «خطاكم السو» حتى الآن لم أحصل رأسمالي !
نعم خسرت، ولكني تعلمت من التجربتين الأخيرتين أن عصفورًا في اليد يساوي عصفورين في الأجمة، وتعلمت أن الثعلب الذكي مثلي لا يقع في الشرك مرتين، وتعلمت ألا أصدق كل ما أراه ولا نصف ما أسمعه، وأنه حين تضحك يضحك العالم معك، أما حين تبكي فتبكي وحدك، وأن القطرات القليلة تصنع المحيط الكبير، وتعلمت شيئًا آخر لن أذكره لأنه سيحذف ولن ينشر!
وحتى الآن لم نيأس أنا ومدرس العلوم (الذي أحتفظ باسمه حرصًا على سرية المشروعات)، فمشروعنا المشترك القادم معًا مكبس حديد «سكند هاند» يعني مستعمل، عثرنا عليه في شمال الوطن عن طريق الإنترنت، والعملية سهلة جدًا.. نشتري الحديد الخردة.. ونكبسه.. ونبيعه. ولذلك.. ابتعدوا عن هذا المجال.. رجاء، فالخسارة مضمونة 100%.